وفَعُلَ لا يكون أبدا إلا غير متعد؛ لأنه إنما جاء في كلامهم للهيئة التي يكون عليها الفاعل لا لشيء يفعله قصدا لغيره نحو "شرف وظرف"، فأما ما جاء في كلامهم نحو قوله:
وإن أهجه يضجر كما ضَجْرَ بازلٌ ... من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه
فإنما أراد به الشاعر ضَجِرَ ودَبِرَتْ، ولكنه أسكن الحرف استثقالا للكسرة، وعلى هذا قالوا: "قد كَرْمَ الرجلُ" يريدون: كرُم، وقالوا: "لَقَضْوَ الرجلُ" يريدون: لَقَضُو الرجلُ، فأسكنوا المضموم كما أسكنوا المكسور، ولم يجئ من هذا شيء في المفتوح لخفة الفتحة، ألا ترى أن من قال: فَخْذ ورَجْل وهو يريد: فَخِذًا ورَجُلًا، لم يقل في جَمَل: جَمْل لخفة الفتحة، إلا أنهم قد أنشدوا للأخطل:
وما كل مبتاع ولو سَلْفَ صَفْقُهُ ... براجع ما قد فاته بِرِداد
قالوا: أراد سَلَفَ، ولكنه اضطُر فخفّف المفتوح، وهذا عندهم من الشاذ، فهذا ما قال١ أصحابنا فيه، ويحتمل عندي وجها آخر، وهو أن يكون مخففا من فَعِل مكسور العين، ولكنه فِعْل غير مستعمل إلا أنه في تقدير الاستعمال وإن لم ينطق به، كما أن قولهم: "تفرقوا عبادِيدَ وشماطِيطَ"، كأنهم قد نطقوا فيه بالواحد من هذين الجمعين وإن لم يكن مستعملا في اللفظ، فكأنهم٢ استغنوا بسَلَفَ هذا المفتوح عن ذلك المكسور أن ينطقوا به غير مسكن.
وإذا كانوا قد جاءوا بجموع لم ينطقوا لها بآحاد، مع أن الجمع لا يكون إلا عن واحد، فأن يستغنى بفَعَل عن فَعِل من لفظه ومعناه -وليس بينهما إلا فتحة عين هذا وكسرة عين ذاك- أجدر.
_________
١ ظ: فقال، وهو خطأ.
٢ ظ، ش: وكأنهم.
1 / 21