Penyelamat: Pembacaan Untuk Hati Plato
المنقذ: قراءة لقلب أفلاطون (مع النص الكامل للرسالة السابعة)
Genre-genre
لم يمض وقت طويل حتى انهار حكم الثلاثين. وخلفت حكومة الأقلية «الأوليجاركية» حكومة شعبية «ديمقراطية» معتدلة.
لكن الحظ الأسود بالمرصاد؛ فلقد شاء رجال السلطة الجديدة أن يقدموا للمحاكمة صديقه ومعلمه الشيخ «سقراط» أعدل الناس وأطهرهم عنده. اتهموه بتهم خسيسة هو أبعد الناس عنها، وأدانته المحكمة وقضت عليه بالموت. وأصابه الدوار أمام الاضطراب الشامل؛ فالعاملون بالسياسة أشرار وطغاة، وفساد التشريع والأخلاق العامة يستفحل بصورة مخيفة، والمبادئ التي عاش عليها الأجداد تتداعى وتنهار.
انشقت الهاوية بينه وبينهم، تحطمت كل الجسور. مع ذلك لم يتوقف عن التفكير في الإصلاح وترقب الفرصة المواتية للعمل، «فلا يزال القلب مفعم الحماس للتغيير والإنقاذ». حتى اقتنع - أخيرا - بصعوبة حكم الدولة حكما ترضى عنه النفس. بل اقتنع بأن أحوال الدول الحاضرة كلها تدعو للرثاء، وأن دساتيرها المريضة لن يشفيها إلا معجزة تأتي معها بالإصلاح، معجزة يتولاها الحظ الطيب أو ترعاها عين الله: «وهكذا وجدتني مدفوعا إلى الاعتراف بقيمة الفلسفة الحقة، والتأكد من أنها هي - وحدها - التي تمكن الإنسان من معرفة العدل والصواب الذي تصلح به الدولة والحياة الخاصة، وأن البشرية لن تتخلص من البؤس حتى يصل الفلاسفة الأصلاء إلى السلطة، أو يصبح حكام المدن - بفضل معجزة إلهية - فلاسفة أصلاء.»
اليوم يحوم فوق ربوع أثينا، والتهم تشير أصابعها نحوه، فيهجر هذا البلد الخرب سنين طويلة، وليبدأ رحلته الكبرى، يتزود من بحر العلم، يزور رفاق الدرس، من حوالي 399 حتى حوالي 388ق.م. «ترسو المركب في ميجارا، ثم تطوف بمصر وقورينا، حتى تصل إلى «تارنت» وتقف على شطآن صقلية».
ما زال الحلم يداعب عينه، حلم الحاكم حين يكون حكيما، رجلا يجمع بين القدرة والعلم، بين السلطة والحكمة ...
هل زار صقلية في نهاية هذه الرحلة وتعرف بحبيب عمره «ديون»، أم عرفه في بلاط صديقه الحاكم الحكيم الفيثاغوري النبيل «أرخيتاس» في «تارنت»؟ لا ندري على وجه التحديد. لكن الرسالة تشير إلى هذه الزيارة الأولى، التي تمت حوالي سنة 388ق.م عندما كان يناهز الأربعين من عمره، وإن بقيت دوافعها غامضة. لم يكن يصل إلى هناك حتى أصابه الاشمئزاز والنفور من حياة القوم؛ فهي حياة ينفقها أصحابها على ملذات الطعام والشراب والعشق، ولا يمكن أن تتيح لإنسان فان أن يصبح حكيما. والأخطر من هذا أن مثل هذه الدولة التي يتهالك أهلها على الملذات لا يمكن أن تنعم بالطمأنينة والسلام، ولا بد أن تقع تحت سطوة طاغية فرد أو استبداد بعض الأسر أو حكم الغوغاء، ولن يتحمل حكامها سماع كلمة «الحكم العادل». وأنى لها بالعدل وقد فقد الحاكم والمحكوم كل إحساس بالتدبر والاعتدال؟
كان ديونيزيوس الأول يسيطر - بقبضته - على أقدار الجزيرة ومعظم الجزر اليونانية في جنوب إيطاليا. أقام فيها مملكة عسكرية مستبدة، واحتفظ في الظاهر بأشكال الحكم الديمقراطي، لكنه كان في الواقع من أبشع الطغاة الذين عرفهم التاريخ القديم أو الحديث «لعل صورته أن تكون هي صورة الطاغية المطلق الذي يهاجمه أفلاطون في الجمهورية وغيرها من محاوراته، فهو الذئب، الليل، السكير الأحمق، مجنون يتصور أن يحكم غيره وهو العاجز عن أن يحكم نفسه، يلبس ثوب الطغيان ويمسك سيفه، وهو العبد بمعنى الكلمة، هو أشقى من أشقى الناس ...»
لا ندري في الحقيقة هل اتصل أفلاطون مباشرة بهذا العسكري المحترف، أم لم يتمكن من الاتصال به. فبعض الروايات تحكي عن خلاف وقع بينهما أدى إلى مشادة حادة اتهمه فيها أفلاطون بالاستبداد، فلم يكن من القائد المحترف إلا أن أهانه وطرده، ومن الطبيعي ألا يحس بقيمة الثقافة أو يحترم قدر الفيلسوف. وبعض الروايات تقول إنه أمر بترحيله إلى سوق الرقيق في جزيرة «أيجينا»، وكان من حظه أن رآه أحد مواطني قورينا - ويدعى أنيكريس - فافتداه ومكنه من العودة سالما إلى وطنه.
مهما يكن الأمر في هذه الروايات والحكايات، فيبدو أنه تعرف في بلاط الطاغية بشاب ذكي متحمس في حوالي العشرين من عمره، سحرته عصا المعلم فانقاد لسحرها حتى النهاية، ذلك هو «ديون» شقيق إحدى زوجتي الطاغية، وصديق أفلاطون ويده اليمنى في تحقيق الحلم الأكبر: «يبدو أنني عندما التقيت بديون في ذلك الحين - وكان لا يزال شابا صغيرا - قد عملت دون قصد مني على انهيار الطغيان، وذلك عندما أفضيت إليه برأيي عن أفضل الأمور للبشرية وحثثته على اتباعها بصورة عملية.» تحمس له ديون تحمسا فاق ما عرفه من الشباب الذين قابلهم في حياته، وتشرب بتعاليمه حتى تحولت نفسه بكليتها إلى الحكمة، وأصبحت الفضيلة عنده أسمى من الملذات والمباهج الحسية، وانطوى على نفسه مع أحلام معلمه حتى أثار حقد الحاشية ...
واستمر ينسج أحلامه حتى مات الطاغية سنة 367ق.م، وخلفه ابنه ديونيزيوس الثاني الذي كان أبوه قد أقصاه عن مهام الحكم وفرض عليه الجهل. حانت الفرصة ليلقي ديون شبكته على الصيد الثمين، ليصنع منه الحاكم الفيلسوف، أخذ يلح عليه حتى اقتنع بدعوة أفلاطون ثم أخذ يلح على أفلاطون لكي يقبل الدعوة: «أهناك فرصة أنسب من هذه الفرصة التي هيأتها العناية الإلهية؟ أن الملك الشاب شغوف بالعلم، وأقاربه يمكن أن نكسبهم بسهولة، والأمل كبير في أن يتحقق حلمك، أن يتحد الحكم مع الحكمة في شخص واحد، وبذلك تسعد سيراقوزة والبشرية، أسرع لا تبطئ عنا، فالمثل الأعلى يوشك أن يتجسد في إنسان حي ...»
Halaman tidak diketahui