Raja-Raja Tawaif dan Tinjauan dalam Sejarah Islam
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
Genre-genre
2 •••
ولم يمض قليل من الزمن حتى جاء برفقة حليفه الأذفونش السادس فخرب بسيط المدينة وما حولها، ولكن عبادا حاكم المدينة الشاب أحد أبناء المعتمد من حظيته الرومية الحسناء كان غافلا عما يدبر من الدسائس للاستيلاء عليها، فقد أخذ ابن عكاشة على عهدته أن يضمن للمأمون أخذ المدينة التي ينشدها، وابن عكاشة هذا رجل فظيع فاتك سفاح، وكان قبل ذلك من اللصوص المتحرمين بالوعر والجبل، وهو مع هذا فارس ذكي حديد القلب، نابه الشأن وفوق ذلك فإنه قد خبر قرطبة وعرفها معرفة جيدة؛ لأنه لعب فيها دورا هاما فيما سبق.
فلما عين حاكما لبعض الحصون، بدأ يخلق الدسائس وينشئ المؤامرات لقرطبة، ولم يكن من الهين السهل عليه أن يغامر في مخاطرة جريئة مثل هذه، لولا أن الكثير من المواطنين كانوا مستائين من سير الأعمال، ومن الخطط الرديئة العوجاء الملتوية.
وفي الحق أن الأمير عبادا كانت تبدو عليه مخايل البشر، ويحدوه الأمل، ولكنه في هذه السن الصغيرة لم يكن في استطاعته أن يتولى بنفسه أزمة الحكم، ويضطلع وحده بأعباء المملكة، لذلك كانت السلطة في يد رئيس الحامية محمد بن مارتن الذي يظهر أنه من أصل مسيحي، كان هذا الرجل جنديا باسلا، وفاتكا دمويا قاسيا، مما حمل القرطبيين أن يمقتوه ويبغضوه، وقد حامت الشكوك والريب حول الكثير من سكان قرطبة في أن تكون لهم علاقة بابن عكاشة، واتصال بمحاولاته الخفية.
على أن هذا الأخير لم ينجح نجاحا تاما في إلقاء الستار على أعماله وتدبيراته الخفية، فقد لاحظ أحد حراس المدينة أن هذا الرجل الذي له سابقة في اللصوصية، كان كثيرا ما يتردد على أبواب المدينة ليلا ويحادث بعض جنود الحامية؛ مما حمل على الريبة، وجعل الشبهة القوية تحوم حوله، وقد سارع هذا الحرسي وأبلغ عبادا الحادث، ولكن الأمير لم يعن كثيرا بالأمر ولم يأبه للحادث، وأحال المبلغ على رئيس الحامية محمد بن مارتن وهذا أحاله على حرسي صغير دون درجته، والنتيجة أنهم تواكلوا، فكان كل واحد يلقي المسألة على عاتق الآخر لاتخاذ الحيطة والتدبير، ولم يقم أحد بواجبه، ولم يتخذ في المسألة تدبير حازم. •••
ونشط ابن عكاشة للتجسس في كل ليلة، ولم يكف عن التربص وتحين الفرص إلى أن أمكنته الفرصة، في يناير سنة (1075) من دخول المدينة هو ورجاله في ليلة شاتية حالكة الظلام، شديدة الرياح والعواصف، وبادر قصر عباد وقد غاب عنه الحراس، وكان على وشك أن يقتحم عليه باب القصر، لولا أن الحرسي الموكل بالباب أسرع إلى إيقاظ الأمير فنهض ونفر شرذمة قليلة العدد من السودان والعبيد، وخرج بنفسه على صغر سنة لملاقاة عدوه والوقوف في وجهه، ودافع دفاع الأبطال ببسالة وبأس حتى أكره المهاجمين أن يجلوا عن دهليز القصر، وأخذ يطاردهم، وهنا زلت به قدمه فابتدره أحد رجال العصابة، وانقض عليه فقتله، وبقيت جثته في الطريق العام عارية بالعراء، لأنه حين أوقظ من نومه بغتة، لم يجد من الوقت ما يكفي لارتداء ثيابه، وانفتل ابن عكاشة برجاله يقصد دار رئيس الحامية، ولم يدر في خلد هذا الرجل، ولا كان عنده كبير ظن في أنه يعتدى عليه ويهاجم في مثل تلك اللحظة التي اقتحموا عليه فيها داره وهو بين شدو القيان، ورقص الغيد الحسان، وكان دون عباد ذلك الأمير الحدث شجاعة ، فلم يكد يسمع صلصلة السيوف في فناء داره، حتى سارع إلى مخبأ اختبأ فيه، ولكنه سرعان ما عرف حين كشف فقبض عليه، وقتل في المساء.
وفي غلس الصبح قبل إسفار الفجر بينما كان ابن عكاشة يطوف بأنحاء المدينة على دور العظماء والنبلاء يدعوهم للانضمام إليه كان بعض الأئمة ذاهبا لتأدية الصلاة في المسجد، فرأى جثة عباد وقد فارق الحياة ملقاة على الأرض بين الطين والوحل، فرحم مصرعه، ونزع ثيابه ورماها على جسمه العاري، ولم يكد الشيخ يمضي لسبيله حتى جاء ابن عكاشة بين صيحات الفرح والسرور على نحو ما يحدث في المدن الكبرى في إبان الثورات، وما وقف على عباد وهو بهذه الحالة حتى أمر بفصل رأسه من عنقه وأن ترفع على رمح، ويطاف بها في أنحاء المدينة، ولم ير ذلك جنود الحامية حتى ألقوا السلاح، وركنوا إلى الفرار، وجدوا في الهرب.
ثم جمع ابن عكاشة أهل قرطبة بالمسجد الجامع، وبدأ يأخذ البيعة للمأمون، وكان كثير منهم لا يزال متعلقا بالمعتمد يكن له الإخلاص والوفاء، ولما كان الخوف عظيما وشاملا لم يستطع أحد أن يتخلف عن البيعة.
3
ومرت أيام ثم جاء المأمون بنفسه ودخل قرطبة وهو يتظاهر بمنتهى الإعجاب والتقدير لابن عكاشة ويبالغ في إكرامه والحفاوة به، والثناء على حسن بلائه، حتى ليظن من رآه أنه قد أولاه ثقة لا حد لها، وهو في الواقع يمقته كل المقت، ويرى فيه اللص القديم، والقاسي المجرم الأثيم، والفاتك الذي لا يرضيه من خصمه غير سفك دمه، وأن يسقيه كأس الحمام بيده، كما فعل في ذبح عباد الحدث؛ لهذا كله أخذ المأمون يبحث عن سبب يتعلل به، أو حيلة يتذرع بها للقضاء على خصمه الخطر خلسة من غير أن يحدث في المملكة ضجة، ولكنه لم يجعل ذلك حديثا مكتتما في نفسه، بل كان كثيرا ما يكاشف بهذا الرأي خواصه وجلساءه، حتى إن ابن عكاشة انصرف من مجلسه ذات يوم، وجعل هذا يصعد الزفرات، ويتبعه بنظرات حادة من عينين يتطاير منهما الشرر، ويجمجم بكلمات أعقبت شؤما ونحسا، وأراد بعض الموالين لابن عكاشة أن يدافع عنه ، ويصفه بحسن الفعال، وجميل الخلال، فقال المأمون: دع عنك هذه الكلمات الجوفاء، فإن رجلا لا يحتفظ بالجميل، ولا يرى حياة الملوك في نظره إلا رخيصة، غير خليق أن ينال ثقتهم، أو يبقى في خدمتهم.
Halaman tidak diketahui