Raja-Raja Tawaif dan Tinjauan dalam Sejarah Islam
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
Genre-genre
وما زالا يتحدثان إلى أن أثقل الكرى جفن الضيف، فأخذه المضيف إلى حيث المكان الذي أعده لنومه، وهم الفلاح أن ينام دون أن يخلع جبته، فقال له القرموني: «يحسن أن تخلع جبتك كي تنام مطمئنا، وتستيقظ مستريحا، لأن هذه الليلة دافئة حسنة الطقس كما ترى.»
فعمل الفلاح بإشارته، وسرعان ما استغرق في نوم عميق، ولما أيقن أنه لا يشعر بحركته تناول جبته وحل بطانتها، وفيها رسالة المعتضد فأخذها وقرأها، وكتب جواب الرسالة سريعا، ووضعه في نفس المكان وخاطه كما كان.
واستيقظ الفلاح في صبيحة تلك الليلة مبكرا، وبعد أن ودع مضيفه وشكر له كرمه وحسن ضيافته عاد أدراجه راحلا إلى إشبيلية، ولما ألقى بها عصا التسيار استأذن على المعتضد ومثل بين يديه، وقص عليه نبأ رحلته فغمره بلطفه، وجميل رعايته، وقال: «إني من عملك هذا لمسرور، وأرى أنك تستحق عليه جائزة سنية.» وأمر أن يلقي ما عليه من وعثاء السفر، وأن يخلع جبته هذه، ويكسى عوضها حلة كاملة، فأحس من أعماق نفسه بسرور وارتياح، وأخذ الثياب الجديدة وترك جبته التي هي محور الرواية، وخرج من القصر مزهوا يروي ما وقع له مع الملك لأهله وجيرانه ومعارفه، ويذكر لهم ما اختصه به الملك من عطف وصلة ما أجازه به من كسوة ملكية من كسى التشريف التي لا تمنح إلا لرجال الدولة وذوي الشأن وأرباب المناصب، ولم يقف على سبب هذا العطف الملكي، ولم يدر أنه استخدم من حيث لا يشعر جاسوسا وبريدا من برد الحرب يحمل إلى بلاد الأعداء رسالة فيها أنباء خطيرة كانت تودي بحياته لو أن البربر عثروا عليها، ولكنه لم تحم حوله أية ريبة.
كان المعتضد عظيم الدهاء واسع الحيلة، في كل ما يدخل في باب الحيل والخدع السياسية، وفي متناول يده الأشراك والفخاخ التي ينصبها لاقتناص من يريد الإيقاع به، والويل لمن يثير كامن غضبه، ولو أن إنسانا أحفظه ومضى سريعا ليختفي في الجانب الشرقي من المعمور لأدركه انتقام هذا الملك، ويقال إنه استصفى أموال رجل مكفوف البصر، وأخذ معظمها، ونفد ما بقي منها في يد الرجل فخرج إلى مكة حاجا يتكفف الناس، وهناك في الحرم أخذ يدعو على ذلك الملك الظالم ويسبه ويلعنه حيث أفضى به ظلمه إلى ذل المسألة وذل الاغتراب. فاتصل بالمعتضد خبره وأنه يدعو عليه ويشهر به، فاستدعى رجلا إشبيليا من رعيته كان قد أزمع الرحلة إلى مكة لأداء فريضة الحج، وأحضر علبة فيها دنانير مسمومة، وقال له: «إذا وصلت إلى مكة ورأيت الإشبيلي الضرير، فصله بهذه العطية وأقرئه مني السلام واحذر أن تفتحها.» فصدع الرجل بالأمر، ولما وصل إلى مكة تفقد الضرير حتى عرفه، وأعطاه العلبة، وقال: «هذه هدية المعتضد إليك.» فسمع وسوسة ما بداخلها من الدنانير فطار لبه، وقال: «يا عجبا! كيف يفقرني المعتضد بإشبيلية أمس، ويغنيني بالحجاز اليوم؟»
فأجابه الرجل: «لعله تذكر ما تحيفك به من الظلم، فضميره الآن يخزه ويؤنبه، وعلى كل حال فإنما أنا رسول ومبلغ وقد قمت بما عهد به إلي خير قيام، ومن حقك وحسن حظك أن تقبل هذه الهدية الثمينة التي لم تكن تحلم بها، والتي فيها غناك وسعادتك.» •••
فاقتنع الضرير وبالغ في شكره، وحمله شكره وولاءه للملك إذا هو عاد إلى إشبيلية ، ثم أخذ العلبة ووضعها بين ذراعه وخاصرته، وخف مسرعا إلى كوخه يهرول بقدر ما تسمح به حالة مكفوف ضرير، ودخل كوخه ذلك الحقير وهو بين مصدق ومكذب، وأحكم إرتاج الباب، وفتح العلبة وأفرغ منها كومة ذهب من دنانير، ولا تسل عن ذلك الأعمى وقد طفح قلبه بشرا وسرورا، حين وجد الفرصة السعيدة تواتيه بالثروة والغنى فجأة، بعد أن عاكسه الدهر، وعانى من الفقر الأمرين، أخذ يقلب بين يديه تلك الدنانير البراقة، ولو أن عينيه لم تكونا مقفلتين بحكم العمى لشعر بتمام اللذة، على أن حاستي اللمس والسمع قد عوضتا عليه ما فاته من تلك المتعة واللذة، فقد كان يقبض تلك الدنانير بأصابعه ويملأ بها راحتيه، ويتحسسها بأنامله، ويتسمع رنينها بأذنه، ويلهو بعدها المرة بعد المرة، وقد غمرته اللذة، وعمه السرور، وذهبت به الأماني والأحلام كل مذهب، إلى أن فعل السم به فعله، وسرى في جسمه سريان الحمى في المحموم، ولم يرخ الليل سدوله على هذا المسكين الذي أوقعه القضاء في حبالة المعتضد حتى أمسى بفعل السم جثة هامدة. •••
إذن فباديس والمعتضد كلاهما قاس شديد البأس، وإن كانت قسوتهما ترى بألوان مختلفة، فباديس في ثورة غضبه يقتل بيده ضحاياه، والمعتضد في أحوال نادرة يتعدى على وظيفة جلاده، وتحت تأثير غضبه وحنقه الشديدين اللذين بز فيهما صاحبه يسمح ليديه الأرستقراطيتين على كره منه أن تتلطخا بالدم، أما باديس فلم يكن يتطلب لشفاء نفسه أزيد من انغماس يده في دم عدوه، ومن دأبه بعد ذلك أن يعلق رأس القتيل على رمح ليطاف به في المدينة، وبهذا تبرد غلته، وأمير إشبيلية على عكسه فإن غضبه من عدوه لا يشفيه مجرد القتل، فهو يتتبعه إلى ما بعد الموت، وما كان يتوقف لحظة عن إثارة أشلاء قتلاه وإخراجها من عيابها وصناديقها المقفلة إرضاء لنزعاته الوحشية.
وكان يضع - أسوة بالخليفة المهدي
3 - جماجم أعدائه على نصب من الخشب إلى جانب الأزهار بحديقة في قصره، ويعلق في أذن كل جمجمة بطاقة يكتب عليها اسم صاحبها، وكانت تلك الحديقة المثمرة برءوس القتلى، تبعث في نفسه السرور والانشراح كلما رآها أمامه، وكثيرا ما كان يصرح بذلك في أقواله، على أنه لم يكن بين تلك الرءوس التي هي قرة عينيه رءوس من فتك بهم من أعدائه الأمراء، لأنه كان يحفظ رءوس أولئك في صناديق مقفلة قد أودعها في مكان بعيد من القصر.
ونقول: «إن مما يبعث على الدهشة أن ذلك المارد الوحشي القاسي كان يعتبر نفسه الأمير الخير بين الأمراء، ويرى أنه مثل «طيطوس» الذي كون تكوينا خاصا ليكون على يديه سعادة الجنس البشري، وكان مما يقوله في شعره هذه العبارات:
Halaman tidak diketahui