سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا»، الحديث (١) . وفيه: «فَمَا صَلَّى إِلَّا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، حَتَّى جَاءَ بِلَالٌ يَدْعُوهُ إِلَى الْغَدَاةِ» . وَأَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ووسطه، وآخره، وقام ليلة بآية يتلوها، ويرددها حتى الصباح ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الْمَائِدَةِ: ١١٨] (٢) .
وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ أَكْثَرُهَا، صَلَاتُهُ قَائِمًا. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يصلي قَاعِدًا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا، فَإِذَا بَقِيَ يَسِيرٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَامَ فَرَكَعَ قَائِمًا، وثبت عنه أنه كان يصلي ركعتين بعد الوتر جَالِسًا تَارَةً، وَتَارَةً يَقْرَأُ فِيهِمَا جَالِسًا، فَإِذَا أراد أن يركع قام فركع.
وقد أشكل هذا على كثير، وظنوه معارضا لقوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» قال أَحْمَدُ لَا أَفْعَلُهُ وَلَا أَمْنَعُ مَنْ فَعْلَهُ، قال: وأنكره مالك والصواب أن الوتر عبادة مستقلة. فَتَجْرِي الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ مَجْرَى سُنَّةِ الْمَغْرِبِ مِنَ المغرب، فهما تكميل للوتر.
وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ، إِلَّا فِي حَدِيثٍ رواه ابن ماجه قال أحمد: لَيْسَ يُرْوَى فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ شَيْءٌ، وَلَكِنْ كَانَ عمر يَقْنُتُ من السنة إلى السنة.
وروى أهل " السنن " حديث الحسن بن علي وقال الترمذي حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوجه من حديث أبي هريرة (٣) السعدي انْتَهَى، وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ مَحْفُوظٌ عَنْ عمر، وأبي، وابن مسعود وَذَكَرَ أبو داود وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «كان يقرأ في الوتر بـ (سبح) و﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون: ١] وَ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: " سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ " ثلاث مرات يمد صوته في الثالثة ويرفع» وكان صلى الله عليه وسم يُرَتِّلُ السُّورَةَ حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ منها، والمقصود من القرآن تدبره وتفهمه، والعمل به. وتلاوته، وحفظه
_________
(١) وتمامه: ثُمَّ جَلَسَ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي، مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا فَمَا صَلَّى إلا أربع كعات، حتى جاء بلال يدعوه الغداة.
(٢) ١٢٢ المائدة.
(٣) في الأصل: أبي الجون، وهو تحريف من الناسخ، ونص الدعاء كما في الترمذي (٤٦٤ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ): اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وبارك لي فيما أعطيت، وقني واصرف عني شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عليك، وإنه لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " وإسناده صحيح.
1 / 25