Mukhtasar Tuhfa Ithna Ashariyya
مختصر التحفة الاثني عشرية
Penyiasat
محب الدين الخطيب
Penerbit
المطبعة السلفية
Lokasi Penerbit
القاهرة
Genre-genre
Akidah dan Kepercayaan
ولم يتفكر فيها» فإنه ﷺ أوعد بترك الفكر في دلائل معرفة الله تعالى، ولا وعيد على ترك غير الواجب. وأيضا أن معرفة الله تعالى واجبة إجماعا، وهي لا تتم إلا بالنظر وما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب أيضا كوجوبه. وعند المعتزلة واجب عقلا لأن شكر المنعم واجب عقلا عندهم وهو موقوف على معرفة الله المنعم، ومقدمة الواجب المطلق واجبة أيضا هذا بناء على قولهم بكون الحسن والقبح عقليين كما عرفت آنفا.
واحتجت المعتزلة على كونه واجبا عقلا بأنه لو لم يجب النظر إلا بالشرع يلزم منه إفحام الأنبياء وعجزهم عن إثبات نبوتهم في مقام المناظرة، إذ يجوز للمكلف حينئذ أن يقول إذا أمره النبي بالنظر في معجزة وغيرها مما تتوقف عليه نبوته ليظهر له صدق دعواه: لا أنظر ما لم يجب النظر علي، ولا يجب النظر على ما لم يثبت الشرع عندي، إذ المفروض عدم الوجوب إلا به، ولا يثبت الشرع على الآخر وهو دور محال، ويكون كلامه هذا حقا لا قدرة للنبي على دفعه، وهو معنى إفحامه. وأجيب عنه أولا بالنقض بأن ما ذكرتم مشترك بين الوجوب الشرعي والعقلي معا، فما هو جوابكم فهو جوابنا. (١) وبيان الاشتراك أن النظر لو وجب بالعقل لوجب بالنظر لأن وجوبه ليس معلوما بالضرورة بل بالنظر فيه والاستدلال عليه بمقدمات مفتقرة إلى أنظار دقيقة من أن المعرفة واجبة وأنها لا تتم إلا بالنظر وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيصح للمكلف أن يقول حيئذ أيضا: لا أنظر أصلا ما لم يجب على النظر، ولا يجب ما لم أنظر فيلزم الدور المحذور. لا يقال قد يكون وجوب النظر فطري القياس بأن يضع النبي للمكلف مقدمات ينساق ذهنه إليها بلا تكليف وتفيده العلم بذلك ضرورة، لأنا نقول: كونه فطري القياس مع توقفه على ما ذكرتموه من المقدمات الدقيقة الأنظار باطل قطعا، ولو سلمناه بأن يكون هناك دليل آخر ولكن لا يجوز للمكلف أن لا يصغي إلى كلام النبي الذي أراد به التنبيه ولا يستمع به ولا يأثم بترك النظر والاستماع، إذ لم يثبت بعد وجوب شيء أصلا فلا يمكن الدعوة وإثبات النبوة وهو المراد بالإفحام. وثانيا
_________
(١) قال ابن تيمية: «وخلاصة ما عند أرباب النظر العقلي في الإلهيات من الأدلة اليقينية والمعارف الإلهية قد جاء به الكتاب والسنة، مع زيادات وتكميلات لم يهتد إليها إلا من هداه الله بخطابه، فكان فيما جاء به الرسول من الأدلة العقلية والمعارف اليقينية فوق ما في عقول جميع العقلاء من الأولين والآخرين». منهاج السنة النبوية: ٢/ ١١٠.
1 / 78