Mukhtasar Tuhfa Ithna Ashariyya
مختصر التحفة الاثني عشرية
Penyiasat
محب الدين الخطيب
Penerbit
المطبعة السلفية
Lokasi Penerbit
القاهرة
Genre-genre
Akidah dan Kepercayaan
واجبات ومحرمات وأن يخبرهم بذلك بواسطة الرسل. ولا يقتضي العقل أصلا أن يكلف الكافر بالإيمان والفاجر بالطاعة وترك العصيان، لأنه تعالى لا فائدة له في هذا التكليف أصلا، بل هو منزه عن الفوائد والأغراض وغني عن العالمين، وهو في حق العبد محض الخسران والضرر وموجب لهلاكه الأبدي، والله سبحانه يعلم عاقبة الأمر لكل أحد هل يقبل أولا وهل يمتثل أم لا، فإلقاء العبد في معرض التلف والهلاك عامدا من غير أن يعود إليه نفع ليس مقتضى العقل أصلا، نعم لا يفعل عاقل أمرا يضر غيره وهو لا ينفع به خصوصا في حق الدين. (١)
وأيضا لو وجب التكليف لكان لابد أن برسل في كل قرية وبلدة الرسل متواليا، ولم يقع زمن الفترة، ولم يخل قطر وناحية عن رسول، لأن العقل لا يكفي في معرفة التكاليف بالإجماع، والحاجة للرسول ماسة بالضرورة. (٢)
وأيضا كان على الله تعالى أن ينصب بعد موت النبي إماما غالبا غير خائف، ويؤيده بالآيات والمعجزات حتى يبلغ الأحكام بلا خوف وهيبة، ولم يدع المكلفين غافلين عن أحكام الشرع ويدعون سكان شواهق الجبال، ولم يفوض إمامه بأيدي جماعة لم يكن لهم قدرة على إظهار الأحكام الشرعية! بل هم أيضا كانوا يمضون بالتقية في لباس غيرهم من الكفرة والظلمة!
وأيضا يعتقدون أن (اللطف واجب على الله تعالى) ويبينون معنى اللطف أنه هو ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية بحيث لا يؤدي إلى الإلجاء. وهذا أيضا باطل لأن اللطف لو كان واجبا لم يكن لعاص أن تتيسر أسباب عصيانه، واجتمع لكل موجبات طاعاته، وشاهده محسوس في العالم أن أكثر الأغنياء والموسرين يظلمون ويعصون ويبغون في الأرض بكثرة أموالهم وقوة عساكرهم، وأكثر الفقراء يبغون بسبب أفلاسهم ويحرمون من العبادات. وكثير من أصحاب العلم لا يحصل لهم معلم يعلمهم ولا تتأبى لهم الفراغة ولا تتيسر لهم القوة، وكثير من أصحاب الشهوات والمفسدين يصل إليهم من كل جانب أسباب فسقهم بلا كلفة وقصور، فلو كان اللطف واجبا لكان الأمر منعكسا. ومخالفة هذه العقيدة للكتاب والعترة والعقل السليم أجلى من النهار: أما الكتاب فقوله تعالى
_________
(١) قال ابن القيم: «وإذا كان معقولا من الإنسان أنه يوجب على نفسه ويحرم ويأمرها وينهاها مع كونه تحت أمر غيره ونهيه، فالآمر الناهي الذي ليس فوقه آمر ولا ناهٍ، كيف يمتنع في حقه أن يحرم على نفسه ويكتب على نفسه، وكتابته على نفسه سبحانه تستلزم إرادته لما كتبه ومحبته له ورضاه به، وتحريمه على نفسه يستلزم بغضه لما حرّمه وكراهته له وإرادة أن لا يفعله، فإن محبته لفعله تقتضي وقوعه منه وكراهته لأن يفعله تمنع وقوعه منه، وهذا غير ما يحبه سبحانه من أفعال عباده ويكرهه، فإن محبة ذلك منهم لا تستلزم وقوعه وكراهته منهم لا تمنع وقوعه، ففرق بين فعله سبحانه وبين فعل عباده الذي هو مفعوله، فإن فعل عباده يقع مع كراهته وبغضه له ويختلف مع محبته له ورضاه به بخلاف فعله سبحانه فهذا نوع وذاك نوع، فتدبر هذا الموضع الذي هو مزلة أقدام الأولين والآخرين إلا من عصمه الله تعالى بعصمته وهداه إلى صراطه المستقيم». بدائع الفوائد: ص ٣٩١.
(٢) قال الآلوسي: «ولأنه لو وجب عقلا بالنسبة إلى من يعلم الله بأنه مؤمن دون الكافر الذي علم الله أنه لا يؤمن، فإن التكليف قبيح لأنه إضرار له، لأنه إلزام أفعال شاقة لا يترتب عليه نفع في الدنيا ويستحق عليه عذاب شديد في الآخرة لا انقطاع له». السيوف المشرقة
1 / 87