Ringkasan Tafsir Ibn Kathir
مختصر تفسير ابن كثير
Penerbit
دار القرآن الكريم
Nombor Edisi
السابعة
Tahun Penerbitan
1402 AH
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
Tafsiran
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الذِي أُمِرَ بِتَطْهِيرِهِ مِنْهُ؟ فالجواب من وجهين: (أَحَدُهُمَا): أَنَّهُ أَمَرَهُمَا بِتَطْهِيرِهِ مِمَّا كَانَ يُعْبَدُ عِنْدَهُ زَمَانَ قَوْمِ نُوحٍ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ سُنَّةً لِمَنْ بَعْدَهُمَا إِذْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ إِبْرَاهِيمَ إِمَامًا يُقْتَدَى به. (قُلْتُ): وَهَذَا الْجَوَابُ مفرّعٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْبَدُ عِنْدَهُ أَصْنَامٌ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ ﵇، وَيَحْتَاجُ إِثْبَاتُ هَذَا إِلَى دَلِيلٍ عَنِ الْمَعْصُومِ محمد ﷺ (الثَّانِي): أَنَّهُ أَمَرَهُمَا أَنْ يُخْلِصَا فِي بِنَائِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَيَبْنِيَاهُ مُطَهَّرًا مِنَ الشِّرْكِ وَالرَّيْبِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿أفمن أسس بنانه عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾؟ قال فكذلك قوله: ﴿وعهدنا إلى إبرهيم وَإِسْمَاعِيلَ أَن طهِّرا بَيْتِيَ﴾ أي ابنياه على طهر من الشرك بي والريب، وَمُلَخَّصُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﵉ أَنْ يَبْنِيَا الْكَعْبَةَ عَلَى اسْمِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لِلطَّائِفِينَ بِهِ وَالْعَاكِفِينَ عِنْدَهُ وَالْمُصَلِّينَ إِلَيْهِ مِنَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ الْآيَاتِ.
وقد اختلف الفقهاء أيَّهمَا أفضل الصلاة عند البيت أو الطواف به؟ فقال مالك ﵀ الطواف به لأهل الأمصار أفضل، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَتَوْجِيهُ كُلٍّ مِنْهُمَا يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ كَانُوا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ عِنْدَ بَيْتِهِ، الْمُؤَسَّسِ عَلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَصُدُّونَ أَهْلَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ به وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أليم﴾، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْبَيْتَ إِنَّمَا أُسِّسَ لِمَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِمَّا بِطَوَافٍ أَوْ صَلَاةٍ، فَذَكَرَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ أَجْزَاءَهَا الثَّلَاثَةَ (قِيَامَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا) وَلَمْ يُذْكَرِ الْعَاكِفِينَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ﴿سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ذَكَرَ الطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ، واكتفى بِذِكْرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَنِ الْقِيَامِ، لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ إِلَّا بَعْدَ قِيَامٍ وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ لَا يَحُجُّهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ (الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ فَضِيلَةَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وإسماعيل وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَنَى هَذَا الْبَيْتَ لِلطَّوَافِ فِي الحج والعمرة وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ مُقْتَدِينَ بِالْخَلِيلِ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ مَا شَرَعَ اللَّهُ لَهُ؟ وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ مُوسَى بن عمران وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْمَعْصُومُ الذِي لَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾.
وتقدير الكلام إذن: ﴿وعهدنا إلى إبرهيم﴾ أي تقدمنا بوحينا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ أَيْ طَهِّرَاهُ مِنَ الشِّرْكِ والريب وابنياه خالصًا لله معقالًا لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَتَطْهِيرُ الْمَسَاجِدِ مَأْخُوذٌ من هذه الآية الكريمة وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال﴾، وَمِنَ السُّنَةِ مِنْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِهَا وَتَطْيِيبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَانَتِهَا مِنَ الْأَذَى وَالنَّجَاسَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ ﵇: «إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ»، وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ جُزْءًا عَلَى حِدَةٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَوَّلِ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ؟ فَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ قبل آدم ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَحَكَى لَفْظَهُ وَفِيهِ غَرَابَةٌ، وَقِيلَ آدم ﵇ رواه عطاء وسعيد بن المسيب وهذا غريب أيضًا. وروي عن ابن عباس وكعب الأحبار أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَنَاهُ شِيثُ ﵇، وَغَالِبُ مَنْ يَذْكُرُ هَذَا إِنَّمَا يَأْخُذُهُ مَنْ كُتِبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهِيَ مِمَّا لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُكَذَّبُ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِهَا. وَأَمَّا إِذَا صَحَّ حَدِيثٌ فِي ذَلِكَ فَعَلَى الرَّأْسِ والعين.
1 / 120