171

Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

Penerbit

دار السلام للنشر والتوزيع

Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤١٦هـ

Lokasi Penerbit

الرياض

Genre-genre

﴿حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ﴾ [النساء: ٣٤] أَيْ: حَافِظَاتٌ لِلْفُرُوجِ فِي غَيْبَةِ الْأَزْوَاجِ، وَقِيلَ: حَافِظَاتٌ لِسِرِّهِمْ ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: ٣٤] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (بِمَا حَفِظَ اللَّهَ) بِالنَّصْبِ، أَيْ: يَحْفَظْنَ اللَّهَ فِي الطَّاعَةِ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالرَّفْعِ، أي بما يحفظن اللَّهُ بِإِيصَاءِ الْأَزْوَاجِ بِحَقِّهِنَّ وَأَمْرِهِمْ بِأَدَاءِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. وَقِيلَ: حَافِظَاتٌ للغيب بحفظ الله ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] عِصْيَانَهُنَّ وَأَصْلُ النُّشُوزِ: التَّكَبُّرُ وَالِارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ النَّشْزُ لِلْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ، ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] بِالتَّخْوِيفِ مِنَ اللَّهِ وَالْوَعْظِ بِالْقَوْلِ، ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] يَعْنِي: إِنْ لَمْ يَنْزِعْنَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَاهْجُرُوهُنَّ ﴿فِي الْمَضَاجِعِ﴾ [النساء: ٣٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمُهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْتَزِلُ عَنْهَا إِلَى فَرَّاشٍ آخر، ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] يعني: إن لم ينزعن الْهِجْرَانِ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَرْبًا بالسواك ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٣٤] أَيْ: لَا تَجْنُوا عَلَيْهِنَّ الذُّنُوبَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَا تُكَلِّفُوهُنَّ مَحَبَّتَكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِنَّ. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: ٣٤] مُتَعَالِيًا مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ الْعِبَادَ ما لا يُطِيقُونَهُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَجْمَعُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْوَعْظِ وَالْهِجْرَانِ وَالضَّرْبِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى ظَاهِرِهَا وَقَالَ: إِذَا ظَهَرَ النُّشُوزُ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَحَمَلَ الْخَوْفَ فِي قَوْلِهِ: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ)، عَلَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٨٢] أَيْ: عَلِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْخَوْفَ عَلَى الْخَشْيَةِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً﴾ [الأنفال: ٥٨] وقال: هذه الأفعال عَلَى تَرْتِيبِ الْجَرَائِمِ، فَإِنْ خَافَ نُشُوزَهَا بِأَنْ ظَهَرَتْ أَمَارَتُهُ مِنْهَا مِنَ الْمُخَاشَنَةِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَعَظَهَا، فَإِنْ أَبْدَتِ النُّشُوزَ هَجَرَهَا، فَإِنْ أصرت على ذلك ضربها.
[٣٥]، قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ [النساء: ٣٥] يعني: خلافا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْخَوْفُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الظَّنِّ يَعْنِي: إِنْ ظَنَنْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ وَاشْتَبَهَ حَالُهُمَا فَلَمْ يَفْعَلِ الزَّوْجُ الصَّفْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَخَرَجَا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ قَوْلًا وَفِعْلًا بَعَثَ الْإِمَامُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ إِلَيْهِ وَحَكَمًا مَنْ أَهْلِهَا إِلَيْهَا رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ لِيَسْتَطْلِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ إِنْ كانت رغبته في الصلح أَوْ فِي الْفُرْقَةِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْحَكَمَانِ فَيُنْفِذَانِ مَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ رَأْيُهُمَا مِنَ الصَّلَاحِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷿: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا﴾ [النساء: ٣٥] يَعْنِي: الْحَكَمَيْنِ، ﴿يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ [النساء: ٣٥] يَعْنِي: بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ: بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: ٣٥] اختلف الْقَوْلُ فِي جَوَازِ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ، وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ

1 / 179