Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil
مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل
Penerbit
دار السلام للنشر والتوزيع
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤١٦هـ
Lokasi Penerbit
الرياض
Genre-genre
نَافِعٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ (آتَيْنَاكُمْ) عَلَى التَّعْظِيمِ كَمَا قَالَ: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ [النِّسَاءِ: ١٦٣] ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مَرْيَمَ: ١٢] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ لِمُوَافَقَةِ الْخَطِّ، وَلِقَوْلِهِ، (وَأَنَا مَعَكُمْ) وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْذَ الْمِيثَاقِ عَلَى النَّبِيِّينَ خَاصَّةً أن يبلغوا كتاب الله ورسالته إِلَى عِبَادِهِ، وَأَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بعضا، وأخذ العهود عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أَنْ يُؤْمِنَ بِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وينصره إن أدركه، فإن لَمْ يُدْرِكْهُ أَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ بِنُصْرَتِهِ إِنْ (أَدْرَكُوهُ)، فَأَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ مُوسَى أَنْ يُؤْمِنَ بِعِيسَى، وَمِنْ عِيسَى أَنْ يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: بِمَا أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْهُمْ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَعَلَى هَذَا اختلفوا فمنهم مَنْ قَالَ: إِنَّمَا أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَرْسَلَ مِنْهُمُ النَّبِيِّينَ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] وَإِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ ﷺ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ النَّبِيِّينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ١٨٧] وإنما الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٨١] فَأَرَادَ: أَنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ النبيين أن يأخذوا الميثاق إلى أُمَمِهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَيُصَدِّقُوهُ وَيَنْصُرُوهُ، إِنْ أَدْرَكُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ عَلَى النَّبِيِّينَ، وَأُمَمِهِمْ جَمِيعًا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَاكْتَفَى بذكر الأنبياء لأن العهد على الْمَتْبُوعِ عَهْدٌ عَلَى الْأَتْبَاعِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَمْ يبعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه الميثاق والعهد فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى قَوْمِهِ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ، وَلَئِنْ بُعِثَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيَنْصُرُنَّهُ، قَوْلُهُ: (ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ)، يَعْنِي: مُحَمَّدًا ﷺ (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) قال: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَنْبِيَاءِ حِينَ اسْتَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ ﵇ وَالْأَنْبِيَاءُ فِيهِمْ كَالْمَصَابِيحِ وَالسُّرُجِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ، ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٨١] أَيْ: قَبِلْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ عَهْدِي، وَالْإِصْرُ: الْعَهْدُ الثَّقِيلُ، ﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ﴾ [آل عمران: ٨١] الله تعالى ﴿فَاشْهَدُوا﴾ [آل عمران: ٨١] أَيْ: فَاشْهَدُوا أَنْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى أَتْبَاعِكُمْ، ﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١] عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاشْهَدُوا، أَيْ فَاعْلَمُوا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِمْ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ.
[٨٢] ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٨٢] الإقرار، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢] العاصون الخارجون عن الإيمان.
[٨٣] قَوْلُهُ ﷿: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣] وَذَلِكَ «أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ اخْتَلَفُوا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ وَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ "، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِقَضَائِكَ وَلَا نَأْخُذُ بِدِينِكَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ﴾ [آل عمران: ٨٣] خَضَعَ وَانْقَادَ، ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [آلُ عِمْرَانَ: ٨٣] فَالطَّوْعُ: الِانْقِيَادُ وَالِاتِّبَاعُ بِسُهُولَةٍ، وَالْكُرْهُ: مَا كَانَ بِمَشَقَّةٍ وَإِبَاءٍ مِنَ النَّفْسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: (طَوْعًا وَكَرْهًا) قَالَ الْحَسَنُ: أَسْلَمَ أَهْلُ السموات طَوْعًا وَأَسْلَمَ مَنْ فِي الْأَرْضِ بَعْضُهُمْ طَوْعًا وَبَعْضُهُمْ كَرْهًا خَوْفًا مِنَ السَّيْفِ وَالسَّبْيِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: طَوْعًا الْمُؤْمِنُ، وَكَرْهَا ذَلِكَ الْكَافِرُ، وَقِيلَ: هَذَا يَوْمُ الْمِيثَاقِ حِينَ قَالَ لَهُمْ ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٧٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: طَوْعًا وَبَعْضُهُمْ: كَرْهًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُؤْمِنُ من أسلم طوعًا فنفعه الإيمان، وَالْكَافِرُ أَسْلَمَ كَرْهًا فِي وَقْتِ اليأس فلم ينفعه الإسلام، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ اسْتِعَاذَتُهُمْ بِهِ عِنْدَ اضْطِرَارِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٥]
1 / 136