يتأسف الصحابة على قتلهم. لأن الله بين لهم - وهم بمكة - لما عذبوا قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل: ١٠٦] (١) .
فلو سمعوا عنهم كلاما أو فعلا يرضون به المشركين من غير إكراه، ما كانوا يقولون: " قتلنا إخواننا ".
ويوضحه قوله تعالى: ﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ [النساء: ٩٧] ولم يقولوا: كيف عقيدتكم؟ أو كيف فعلكم؟ بل قالوا: في أي الفريقين كنتم (٢)؟ فاعتذروا بقولهم: ﴿كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [النساء: ٩٧] فلم تكذبهم الملائكة في قولهم هذا، بل قالوا لهم ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ [النساء: ٩٧] ويوضحه قوله ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا - فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: ٩٨ - ٩٩] (٣) .
فهذا في غاية الوضوح. فإذا كان هذا في السابقين الأولين من الصحابة فكيف بغيرهم؟
ولا يفهم هذا إلا من فهم أن أهل الدين اليوم لا يعدونه ذنبا.
فإذا فهمت ما أنزل الله فهما جيدا. وفهمت ما عند من يدعي الدين اليوم، تبين لك أمور:
_________
(١) من الآية ١٠٦ من سورة النحل.
(٢) الاستفهام " فيم كنتم " يفيد السؤال عن الحال والصفة، والسؤال عن القرناء. وهو عن الحال والصفة أظهر.
(٣) الآيتان رقم ٩٨، ٩٩ من سورة النساء.
1 / 38