فأول ذلك أن الله أخرجهم من صلبه أمثال الذر، وأخذ عليهم العهود: أن لا يشركوا به شيئا، كما قال تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٢] (١) (٢) ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج. ورأى فيهم رجلا من أنورهم. فسأله عنه؟ فأعلمه أنه داود. فقال: كم عمره؟ قال: ستون سنة. قال: وهبت له من عمري أربعين سنة، وكان عمر آدم ألف سنة. ورأى فيهم الأعمى والأبرص والمبتلى. قال: يا رب لم لا سويت بينهم؟ قال إني أحب أن أُشْكَر. فلما مضى من عمر آدم ألف سنة إلا أربعين أتاه ملك الموت. فقال: إنه بقي من عمري أربعون سنة. فقال: إنك وهبتها لابنك داود. فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته.
فلما مات آدم بقي أولاده بعده عشرة قرون على دين أبيهم، دين الإسلام. ثم كفروا بعد ذلك. وسبب كفرهم الغلو في حب الصالحين. كما ذكر الله تعالى في قوله ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣] (٣) وذلك أن هؤلاء الخمسة قوم صالحون كانوا يأمرونهم وينهونهم. فماتوا في شهر. فخاف أصحابهم من نقص الدين بعدهم.
_________
(١) ولا يزال ربنا سبحانه يقيم الحجة بسننه في الخلق والرزق، وآياته وكتابه، ويأخذ العهود والمواثيق. ولكن أكثر الناس عن هذا غافلون، لأنهم يدينون دين الآباء والشيوخ فيشركون كما يشركون وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون (الآية رقم ١٧٠ من سورة البقرة) .
(٢) من الآية رقم ١٧٢ من سورة الأعراف.
(٣) الآية رقم ٢٣ من سورة نوح.
1 / 13