الوجه الرابع: أن يقال: إذا كان المكفِّر هو اعتقاد حِلِّ السبِّ، فليس في مجرَّد السبِّ استحلالٌ، فينبغي - على قولهم - ألا يُكفَّر، خاصةً إذا قال: أنا أعرفُ أنه حرامٌ، لكن قلتُه عبثًا ولعبًا، أو غيظًا وسَفَهًا (^١).
فيقال لهم: ما تقولون في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾. فإن قالوا: لا يكفرون، قلنا: هذا خلاف نص القرآن، وإن كفَّرتموهم، فهو تكفير بلا مُوْجِب إذا لم يُجعل نفسُ السبِّ مكفِّرًا، وكذا في قوله: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ كفَّرهم بذلك القول الذي صدر منهم، ولم يقل: قد كذبتم في قولكم: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾.
فتبيَّن أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة (أي: السب) في نفسها كفر، استحلَّها صاحبُها أو لم يستحلَّ، والدليل عليه جميع ما قدمنا في المسألة الأولى (^٢) من الآيات والأحاديث، فإنها أدلة بيّنة على أن نفس أذى الله ورسوله كُفْر، مع قطع النظر عن اعتقاد التحريم وجودًا وعدمًا.
ثم ذكر الشيخ ﵀ منشأ هذه الشبهة عند المتكلمين أو من حذا حذوهم، فذكر شبهتين:
١ - أنهم رأوا أن الإيمان هو التصديق، وأن اعتقاد صدقه (أي: الرسول) لا يُنافي السبَّ والشتم، فإن الإنسان قد يهينُ من يعتقد وجوب
_________
(^١) أو سوء تربية، على قول البعض.
(^٢) في "الصارم": (٢/ ٥٨ - ٣٧٨)، و"المختصر": (ص / ٣١ - ٧٧).
1 / 10