قال: وكان الأمير جاولي الأسدي خيمته قريبه من المنجنيقات، وكان السلطان يحضر فيها كل يوم لترتيب المهمات وحض الرجال، والحث على القتال ليكون المقاتل إذا كان بمرأى من السلطان أحتد وأشتد وبذل الجهد، وهو غار يناديه بار يبث أياديه. والحشيشه في ذي الأجناد وقوف والرجال عنده صفوف إذ قفز واحد منهم فضرب رأسه بسكينه فعاقته صفائح الحديد المدفونات في كمته عن تمكينه، ولفحت المديه خده فخدشته، وساحت قطرات دم غشته، فقوى السلطان قلبه وثبت لبه وحاش رأس الحشيشي وجذبه ووقع عليه وركبه وأدركه سيف الدين يازكوج فأخذ حشاشة الحشيشي وبضعه وقطعه وجاء آخر فأعترضه الأمير داوود بن منكلان فمنعه فجرحه الحشيشي في جنبه بحد سكينه، وكانت منيته بعد أيام في تلك الضربة. وجاء آخر فعانقه الأمير علي بن أبي الفوارس وضمه من تحت أبطيه وبقيت يد الحشيشي من وائه لايتمكن من الضرب فنادى أقتلوني معه فقد قتلني وأذهب قوتي فطعن ناصر الدين محمد بن شيركوه بطن الجارح بسيفه ومازال يخوضه حتى ألقاه لحتفه وخرج آخر من الخيمة منهزما وعلى الفتك بمن يعارضه مقدما فصادفه الأمير شهاب الدين محمود فتنكب عن الطريق ووافقه حسني التوفيق فثار على الكلب أهل السوق فقطعود إربا إربا. وأبن السلطان فإنه ركب وجاء إلى سرادقه وصوته جهوري وزهوه قسوري، ودم خده سايل وعطف روعه مايل، وطوق كراغنده بتلك الضربة مشكوك مفكوك لكن نهج سلامته بوقاية الله وعصمته مسلوك فما أفرج روع روعه حتى علم أن جرح خده سالم، وأن صبح جده باسم فإنه كان سلا سلامته وأقام القوم قيامته من بعد دين رغب ووهب واحترز واحتجب، وضرب حول سرادقه على مثال خشب وبرز للناس كالمحتجب وما حدث إلا من عرفه ومن لم يعرفه صرفه، وما قرب إلامن يثق باعتقاده ويعتمد على سداده وإذا ركب وأبصر في موكبه من لايعرفه أبعده ثم سأل عنه فإن كان مستشفعا أو أشفعه وأسعده.
قال: وانس بي فمن عرفته قربه ومن أثبت على كفايته استكفاه وندبه وقد اصطنعت أقواما فرعوا المراقب، وافترعوا المراتب فجحدوا من بعده عارفي ومعرفتي، وانكروا صفوتي وصفتي، وليتني خلصت من شرهم ونجوت من ضرهم، وكان السلطان ألي مستنيما ولصحبتي مستديما حتى لايؤثر غيبتي عن ناد يحضره وكل ما أسوغه من أمر يحضره.
ذكر مكرمة فاضلية
قال: قال الأجل الفاضل للسلطان تنبيها له في حقي على الإحسان أن الذي عينت للعماد من الجامكية بدمشق حوالته ولم يتسع به عندنا ضائقته، فإن الطرق مقطوعة، والسبل ممنوعة فعين له من الخزانة في الصحبة كل شهر ما ينفقه فقرر لي مثل ما كان لي من قبل واستمر المبلغان وتقلدت بهذه العارفة طولي الامتنان ومن تمام إنعامه أني هنيته بعزاز يوم عيد الأضحى على العادة ثم جئت إليه العصر مسلما ولبعض الأحوال مستعلما فقال ما جئت اليوم مرتين إلا لأمر باعث وقد فهمت المعنى. وقع له أني لتشريف السلطان متقاضى وأننى عليه إلا بما يرضاه لي منه غير راض. وأرسل إلى الخزانة وأخذ لي أحسن وأثمن ثوب وعمامه واتبع ذلك نفقة مشفوعة بكرامة سوى ما قرره للعيد من وظيفة وإقامة.
ذكر فتح عزاز يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة
(١٨٣ ب) قال: وأقام السلطان عليها ثمانية وثلاثين يوما يسومها القتال سوما حتى وجت جنوبها، وكثرت ثقوبها، ونحبت قلوبها، فاقتصر من فيها بعد طول النزال على النزول وانتهت مدة وقوفنا منها على الطلول وسلوا القلعة كرها، قال: وقلت فيها قصيدة أولها:
سلطت المطل على نجازها ... وضيعت حقي في مجازها
وصالها من الحياة منيتي ... من لي بالفرصة في انتهازها
وجنتها الوردة في احمرارها ... وقدها البانة في اهتزازها
شمس الضحى في الحسن لم تضاهها ... بدر الدجى في التم لم يوازها
ومنها:
تمل من فتح غزاز نصرة ... أوقعت العداة في اغترارها
اليوم ذلت حلب فإنها ... كانت تنال العز من غزازها
ذكر خلاص رجل مسلم من نكبه عظيمة بشفاعة كريمة
قال: كان عسكر حلب مدة مقامنا على عزاز يطلب من عسكرنا غرة فأعارها يوما على العلاقة وبلغ إلينا ضريح المخافة، فركب السلطان والعساكر معه نحو الصارخ وأخذ الحلبيون ما وجدوا وعادوا فما أدرك أصحابنا إلا فارسا فأخذوه وسيروه إلينا.
1 / 42