فقال: وأراد نور الدين أن يسرع إلى دمشق الأوبة ويقضي فيها الشتوه فالتاث سره لالتياث سريته وشكاة جاريته فتصدق عنها بالألوف والتزم لله في شفائها بنذور ووقوف وأقام حتى ترجح ترجى إبلالها ثم سيرها في متحف وتحمل على أيدي الرجال وتأخر نور الدين جريدة مع عدة من مماليكه وأمرائه وتقدم إلى أن أسايره وأسامره في طريقه فسرنا على طريق قبه وملاعب والمشهد وسلمية، وكان إذا سار لا يدركه من يسايره، فوصلنا إلى سلمية من حلب في يومين، فجاءه الخبر بأن الفرنج قد أغارت على حوران، فركب قبل العشاء وأدلج ووصل إلى دمشق والصبح قد تبلج وسمع الفرنجة به فتفرقوا. وكان أخوه سابق الدين عثمان رسولًا وكان رجلًا بعيدًا عن الدهاء، غير خبير بتدبير الأحكام وآلايها يحمل قول كل قايل على الصدق، وهو كما يقال ساذج سليم القلب فلما وصل إلى دمشق تلقوه بالإكرام وأنزلوه في دار بعيدة عن الأقوام ي١١بكرون إليه كل يوم للسلام وإذا جاء إلى القلعة تلقوه إلى الباب وأجلسوه في صدر الإيوان وقام بين يديه حواشي السلطان، وهو لا يعلم بما يدبرونه وما الذي يقررونه ثم قال شمس الدين هو الوصي والولي وبأمر الملك الكفيل الملى فنريد أن يستظهر منه باليمين. وقال شهاب الدين العدل لسابق الدين أنا أصل إلى حلب معك فأعطني يدك أن تنفعني وأنفعك فمضى وخرج معه. قال وخرجت إلى طريق سابق الدين لأودعه وحسبته لا تخفى عليه الإشارة فإذا هو أعجمي لا توقظه العبارة، وخلوت به وقلت احترزوا من الكيد قبل أن تقعوا كالصيد في القيد، وصرحت له بالأمر وخوفته من الغدر وحسبته مأمونًا على السر فلما سايره غي الطريق العدل أبو صالح وجاذبه أطراف الكلام أمال إليه أعطاف الاستسلام ووفاه في صوره الوفا مكايل مكايده، وأراه أنه يزجى له محامل محامده حتى إذا وصل إلى حلب وبعد شمس الدين على خرله ساجدًا وأظهر أنه لم يزل يتمنى المثول في خدمته مغرمًا واحدًا واستوثق يمينه وشمس الدين لطهارة دينه يعتقد طهارة دينه، واستقر الأمر على أن يحملوا الملك الصالح إلى قلعة حلب، وهو يتسلم ممالكه ويكون فيها أتابكه ورد أخاه سابق الدين للمضي في الخدمة، ووصل سعد الدين كمشتكين أيضًا في تلك الأيام إلى دمشق ليجدد بالخدمد عهده، ويذكر من الرأي ما عنده، واستقبلهم الملك الصالح وكنت راكبًا في موكبه مسايرًا إلى جنبه وهو لا يسمح في أن أتباعد عن قربه فلما أبصرني العدل صعب عليه قربي وسايرني إلى جنبي وقال: سابق الدين حدثني بما حدثته ولو كان ممن ينبعث لبعثته وألغيت من أنفاسه دخان الجمر لفحني منها شرر الشر فجيت إلى كمشتكين أعتقد أنه صديق الدهر فمت إلى بعذر الذعر. وقال: انقطع عني حتى أصلح أمرك فعرفت أنهم أدخلوا رأسه في المخلاة وأنه ليس من الأمتعة المخلاة فهجرتهم على قصد المقاطعة (١١٧٧) ولم أجد أبدًا من المسالمة والموادعة لأن لي تجملًا وثروة وخيلًا وعدة لو تركتها ونجوت بنفسي لكسفت في الآخذ بالحزم شمس، لكني أوهمتهم أني معهم، ومعاذ الله أن أدعهم حتى وصلت إلى حلب في صحبتهم ثم عرجت على دار محي الدين الشهرزوري بالحاضر وأقمت مدة أظهر لهم المودة. ثم أزمعت ورحلت وقطعت الفرات والجزيرة إلى الموصل والتقيت بها العصا لما وصلت.
ذكر مسير الملك الصالح من دمشق إلى حلب
بتاريخ يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة
1 / 28