فهذه العلوم لو خلا البلد عمن يقوم بها حَرِجَ أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الباقين.
ولا يُتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفاية، فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفاية، كالفلاحة والحياكة، بل الحجامة فإنه لو خلا البلد عن حَجَّام لأسرع الهلاك إليهم، فإن الذى أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله.
وأما التعَّمق فى دقائق الحساب، ودقائق الطب وغير ذلك، فهذا يعد فضله، لأنه يستغنى عنه (١).
وقد يكون بعض العلوم مباحًا، كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها، وتواريخ الأخبار.
وقد يكون بعضها مذمومًا، كعلم السحر، والطلسمات، والتلبيسات.
فأما العلوم الشرعية فكلها محمودة، وتنقسم إلى أصول، وفروع، ومقدمات ومتممات.
فالأصول: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﵌، وإجماع الأمة، وآثار الصحابة.
والفروع: ما فهم من هذه الأصول من معان تنبهت لها العقول حتى فهم من اللفظ الملفوظ وغيره، كما فهم من قوله: "لا يقضى القاضي وهو غضبان" أنه لا يقضى جائعًا.
والمقدمات: هي التي تجرى مجرى الآلات، كعلم النحو واللغة، فإنهما آلة لعلم كتاب الله وسنة رسوله ﵌.
والمتممات: كعلم القراءات، ومخارج الحروف، وكالعلم بأسماء رجال الحديث وعدالتهم وأحوالهم، فهذه دهى العلوم الشرعية، وكلها محمودة.
_________
(١) بل هو من الفروض الكفائية التي يجب على المسلمين أن يتقنوها، ولا تقوى شوكة المسلمين، ولا تقوم لهم قائمة إلا بالإسلام والعلم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
1 / 17