وكانت بنت الملك من الحسن والجمال بمكان ، فأكرمت سارة وعظمتها ، وقامت بمجدها ، ثم أنها أضافتها ، وبسطت لها الأنس ، وحادثتها ، فلما رفعت المائدة عمدت حوريا إلى شيء من الذخائر النفيسة ، والجواهر الثمينة وجملة من عين المال ، فلما اجتمعت بإبراهيم عليه السلام قال : لا حاجة لنا في هذا ولا في شيء منه ، وأمرها برده عليها. فلما ردته تعجبت من أمرها ، وأخبرت الملك بذلك ، فقال : هؤلاء قوم كرام وبيت طاهر. وقال : يا حوريا ، احتالي في برهما وإكرامهما كل حيلة ، فقدمت لسارة جارية من أحسن الجواري القبطية ، وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام .
ثم عمدت إلى سلال ملأتها حلوى ودست تحتها جوهرا ومالا كثيرا ، ودفعت إليها حليا مصوغا مكللا ، ثم ودعتها ، فخرجوا من أرض مصر سائرين ، فلما (1) عرسوا عمدوا إلى الحلوى ليأكلوا منها فوجدوا تلك الجواهر فحفروا منه البئر الذي جعلها للسبيل ، وتصدق منه وأضاف وادخرت / منه سارة لبيتها. وكان دخول إبراهيم على الملك يوم الخميس ، ولما دخلوا مكة وجدوها جدبة ، فأرسلت هاجر فعرفت الملك فأمر بحفر نهر في شرقي مصر بسفح الجبل حتى ينتهي إلى مرفأ السفر في البحر المالح ، وكان يحمل إلى مكة الغلال فتصل إلى جدة وتحمل من هناك إلى مكة. وأن جميع ما كان يصل إليها من البر في أيامه فهو منه ، وكانت العرب وجرهم وقبائلهم يسمون طوطيس الملك الصادوق ، وكان طوطيس قد سأل إبراهيم عليه السلام أن يدعو لبلده بالبركة والحفظ فدعا لها فمصر في دعائه.
وعرف إبراهيم الملك أن ولده سيملكونها ويصير أمرها إليهم قرنا بعد قرن إلى آخر الزمان يعني ولد إبراهيم عليه السلام ثم أن طوطيس لما أن تمادى أمره فتك في حكمه ، وقتل كثيرا من نسائه وبني عمه وخدمه وأقربائه ، وكثيرا من الحكماء والكهنة ، وأباد الناس واستعبدهم ، فكان حريصا على الولد ، فلم يرزق غير ابنته حوريا ، وكانت عاقلة حكيمة ، تأخذ على يده كثيرا وتمنعه من سفك الدماء ، فلما رأت من كثرة تجبره بالناس وظلمه أبغضته ، وأبغضت العام والخاص من أهل بلده ، ثم أن ابنته حوريا سمته ، فمات ، فاجتمع رأي الوزراء والأمراء على تولية ابنته لما رأوا من إنكارها من أفعال أبيها ، وشفقتها على الناس ، فأجلسوها مكانه فلما :
** جلست حوريا بنت طوطيس على سرير الملك :
استقر بها الحال وغدت واعظة ووهبت وولت وعزلت ، ثم بعد ذلك أخذت في جمع الأموال وحفظها حتى قيل إنها جمعت ما لم يجمع غيرها وكذا من الجواهر ،
Halaman 71