[قول المفيد (رحمه الله) في رؤية المحتضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) عند الوفاة] الحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على خيرة الخلق أجمعين محمد وآله الميامين وبعد; فقد ذكر الشيخ السعيد المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي «رضوان الله عليه» في كتابه (المقالات) ما حكايته:
(القول في رؤية المحتضرين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأميرالمؤمنين (عليه السلام) عند الوفاة:
هذا باب قد استقر وأجمع عليه أهل الإمامة، وتواتر الخبر به عن الصادقين من الأئمة «صلوات الله عليهم» وقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام)) الخبر به، وأورد الشعر المشهور الذي يروى أن أمير المؤمنين «صلوات الله عليه وسلامه» قاله للحارث الهمداني (1) وهو:
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني شخصه وأعرفه * باسمه والكنى وما فعلا وأنت يا حار إن تمت ترني * أسقيك ماءا تخاله عسلا
Halaman 13
ثم قال - رحمه الله تعالى -: (غير أني أقول فيه أن معنى رؤية المحتضر لهما (عليهما السلام) هو العلم بثمرة ولايتهما، و (١) الشك فيهما والعداوة لهما، أو التقصير في حقهما (٢) على اليقين بعلامات يجدها في نفسه [وأمارات ومشاهدة أحوال ومعاينة مدركات لا يرتاب معها بما ذكرناه] (٣) دون رؤية البصر لأعيانهما (عليهما السلام) ومشاهدة النواظر لأجسادهما باتصال الشعاع. [وقد قال الله - عز وجل -: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾</a> (٤)، وإنما أراد - جل شأنه - بالرؤية ههنا معرفة ثمرة الأعمال على اليقين الذي لا يشوبه ارتياب.
وقال: - سبحانه -: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فان أجل الله لآت﴾</a> (5) ولقاء الله - تعالى - هو لقاء جزائه على الأعمال، وعلى هذا القول محققوا النظر من الإمامية، وقد خالفهم فيه جماعة من حشويتهم، وزعموا أن المحتضر يرى نبيه ووليه ببصره كما يشاهد المرئيات، وانهم يحضران مكانه ويجاورانه بأجسامهما في المكان] (6).
ثم قال (رحمه الله) في الكتاب أيضا: (القول في رؤية المحتضر الملائكة (عليهم السلام):
والقول عندي في ذلك كالقول في رؤيته لرسول الله وأميرالمؤمنين «صلى الله عليهما» وجائز أن يراهم ببصره بأن يزيد الله - تعالى - في شعاعه ما يدرك به أجسامهم الشفافة الرقيقة، ولا يجوز مثل ذلك في رسول الله وأميرالمؤمنين «صلوات الله عليهما وسلامه»، لاختلاف ما بين أجسامهم وأجسام الملائكة في التركيبات...) (7).
[أمر ليس فيه ترخيص ولا عنه محيص] يقول عبد الله الحسن بن سليمان بن محمد: عذري عند إخواني المؤمنين في ذكري
Halaman 14
ولا سيما في شرحي لهذه المسألة أحاديث مروية عن أهل البيت (عليهم السلام) بطريق معتبر، والحديث الذي تجهل راويه لا يحتج بمثله عند أهل العلم والنظر.
فاعلم; هدانا الله - تعالى - لدينه وإياك، وأرشدنا إلى معرفة ما ظهر ونقل عن الأئمة الإثنى عشر (عليهم السلام)، من أسرارهم الشريفة، وعلومهم اللطيفة المنيفة، التي خص بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخاه وجعله خازنا لها، وجعل الباب الذي يؤتى منه وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأورثها آله الطاهرين (عليهم السلام) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
NoteV00P015N01 أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها (1).
وهذا أمر منه لساير امته ليس فيه ترخص ولا عنه بد.
NoteV00P015N02 وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لكميل بن زياد: يا كميل! لا تأخذ إلا عنا تكن منا (2).
NoteV00P015N03 وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: كل علم - أو قال: شيء - لم يخرج من هذا البيت فهو باطل (3)، وأشار بيده إلى بيته.
وهذا حق; لقوله عز اسمه: (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (4) وهو عام لا
Halaman 15
يجوز تخصيصه; لقوله - سبحانه -: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (1) وفي الآية الشريفة بلاغ لمن (ألقى السمع وهو شهيد) (2).
[أين دليل التأويل؟] فنقول: الشيخ - رحمه الله تعالى - اعترف بالحديث وصدقه، لكنه أوله بمعنى: «علم المحتضر بثمرة ولايتهما والشك فيهما والعداوة لهما والتقصير في حقوقهما على اليقين بعلامات يجدها في نفسه دون رؤية البصر لأعيانهما (عليهما السلام) ومشاهدة النواظر لأجسادهما باتصال الشعاع».
فيقال له: أهذا الذي أنكرت من رؤية البصر لأجسادهما بعينهما (عليهما السلام) وقلت: إنه ليس المراد بل المراد العلم بثمرة ولايتهما أو عداوتهما، هل هو شيء استندت فيه إلى برهان من الكتاب أو السنة يجب التسليم له والانقياد له والاعتماد عليه؟!
NoteV00P016N04 كما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل (3).
أو أخذته من غيرهما؟
فإذا وجدنا هذا التأويل لا يوافق الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)، الصريحة الصحيحة، من أن الأموات يرون الأموات والأحياء بعد الموت، وكذلك الأحياء يرونهم حقيقة في اليقظة والنوم، ويرون أهاليهم وما يسرهم فيهم وما يغمهم.
ونذكر إن شاء الله - تعالى - بعض ما رويناه في هذا المعنى وأنه حقيقة لا مجاز.
Halaman 16
[هل أن شرط الرؤية في هذا العالم يجري بعد الموت؟] ومنعه (رحمه الله) من رؤيته لهما (عليهما السلام) بسبب عدم اتصال الشعاع جوابه أن يقال له:
هبك علمت أن شرط الرؤية في هذا العالم اتصال الشعاع من الرائي إلى المرئي، فمن أين لك أن هذا الحكم يجري بعد الموت في عالم البقاء؟! والله - سبحانه - يقول:
(وكان الله على كل شيء مقتدرا) (1) ويقول: (ويخلق ما لا تعلمون) (2).
NoteV00P017N05 وقد جاء في الحديث عنهم (عليهم السلام): لا تقدر عظمة الله - تعالى - على عقلك فتهلك (3); فقدرته - سبحانه - بلا كيف ولا يحيط بها العلم.
ولو سئل المنكر لرؤية المحتضر لهما «صلى الله عليهما» عند موته عيانا:
هل يقدر الله - سبحانه - أن يري المحتضرين الحجج «صلوات الله عليهم» عند الممات وبعده كما أقدر النائم أن يرى من يراه في أبعد البلاد في حياة المرئي، وبعد موته، على صورته وقالبه الذي كان يعرفه به، وربما أكل معه وشرب وتحدثا بما قد يفيد العلم أو لا يقدر؟
لا سبيل إلى إنكار القدرة، فإذا جاز وقوعها فلا يجوز تأويله والعدول عن الظاهر من غير ضرورة ولا امتناع.
[الروايات الدالة على إمكان الرؤية في الحياة وبعد الممات] فأما الرواية في ذلك:
Halaman 17
NoteV00P018N06 فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من رآني فقد رآني فإني لا يتمثل بي شيطان (1) ومن رأى أحدا من أوصيائي فقد رآه فإنه لا يتمثل بهم شيطان (2).
وهذا الحديث يعم في الحياة وبعد الممات وهو نص في الباب.
NoteV00P018N07 وروى محمد بن يعقوب في «الكافي» عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، ومحمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد جميعا عن الحسن بن العباس بن حريش عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام):
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر يوما: (لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) (3) فأشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مات شهيدا، والله ليأتينك فأيقن إذا جاءك، فإن الشيطان لا يتمثل به (4)، فأخذ علي (عليه السلام) بيد أبي بكر فأراه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا بكر! آمن بعلي وبأحد عشر من ولده إنهم مثلي إلا النبوة، وتب إلى الله مما في يدك فإنه لا حق لك فيه، [قال:] ثم ذهب فلم ير (5).
NoteV00P018N08 وروى الفضل بن شاذان في «كتاب القائم» عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته في حديث طويل يذكر فيه أن أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» خرج من الكوفة ومر حتى أتى الغريين فجازه فلحقناه وهو مستلق على الأرض بجسده ليس تحته ثوب.
فقال له قنبر: يا أمير المؤمنين! ألا أبسط ثوبي تحتك؟
فقال (عليه السلام): لا، هل هي إلا تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه.
قال الأصبغ: فقلت: يا أمير المؤمنين! تربة مؤمن قد عرفناها كانت أو تكون فما مزاحمته في مجلسه؟
Halaman 18
فقال (عليه السلام): يا بن نباته! لو كشف لكم لألفيتم (1) أرواح المؤمنين في هذا الظهر حلقا يتزاورون ويتحدثون، إن في هذا الظهر روح كل مؤمن وفي وادي (2) برهوت نسمة كل كافر (3).
ظهر من هذا الحديث فوائد جمة; منها:
أنه (عليه السلام) أخبر بأن هذه البقعة الشريفة به «صلوات الله عليه» تكون تربة يدفن بها المؤمنون، وقد وقع ذلك.
وأفاد أنه زاحم أرواح المؤمنين في ذلك الوقت وهو تصديق لما روي أن الأرواح خلقت قبل الأجسام بألفي عام (4).
وأن هناك مجتمعها التي لم تسكن الأبدان بعد، والتي خرجت منها تنتظر عودها إليها.
وأنه لو كشف لنا كما قد كشف له لرأيناهم الآن هناك جلوسا حلقا يتحدثون (5).
والحديث والاجتماع وأنهم حلق يدل على ما روي أن المؤمن إذا مات خلق الله له قالبا كقالبه الأول فيه يتعارفون، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
وأفاد أيضا أنه لا يشذ عن هذا المكان منها شاذ بل هي أجمع هنا (6).
NoteV00P019N09 وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): ميعاد ما بيني وبينك وادي السلام (7)، وهذا المكان الشريف المشار إليه عند قبره (عليه السلام).
Halaman 19
NoteV00P020N10 وذكر الفضل بن شاذان في «كتاب القائم» أيضا قال: حدثنا محمد بن إسماعيل عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إن أرواح المؤمنين ترى (1) آل محمد (عليهم السلام) في جبال رضوى، فتأكل من طعامهم ، وتشرب من شرابهم، وتتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله - تعالى - وأقبلوا معه يلبون زمرا زمرا، فعند ذلك يرتاب المبطلون، ويضمحل المنتحلون، وينجو المقربون (2).
وهذا الحديث يدل على ما رويناه من القالب للروح بعد خروجها من الأول كما يدل عليه أكلهم وشربهم وحديثهم.
NoteV00P020N11 وروى محمد بن الحسن الصفار في كتاب «بصائر الدرجات» عن محمد بن عيسى عن عثمان ابن عيسى عمن أخبره عن عباية الأسدي قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) وعنده رجل رث الهيئة، وأميرالمؤمنين (عليه السلام) مقبل عليه يكلمه، فلما قام الرجل، قلت: يا أمير المؤمنين! من هذا الذي أشغلك عنا؟
قال (عليه السلام): هذا وصي عيسى (عليه السلام) (3) (4).
NoteV00P020N12 وروى محمد بن علي بن بابويه بإسناده عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من أحب لقاء الله - تعالى - أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.
فقال أصحابه: هلكنا يا بن رسول الله فإنا لا نحب الموت.
فقال (عليه السلام): ذاك عند معاينة رسول الله وأميرالمؤمنين «صلوات الله عليهما» عند الموت،
Halaman 20
ما من ميت يموت إلا حضر عنده محمد وعلي «صلوات الله عليهما» فإذا رآهما المؤمن استبشر وسر، فيقوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لينصرف.
فيقول: إلى أين وقد كنت أتمنى أن أراكما؟
فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): أتحب أن ترافقنا؟
فيقول: نعم.
فيوصي به ملك الموت ويخبره أنه لهما محب، فهذا يحب لقاء الله ويحب الله لقاءه.
وأما عدوهما فلا شيء أكره عليه وأبغض عنده من رؤيتهما فيعرف الملك أنه عدو لهما فهو يكره لقاء الله والله يكره لقاءه (١).
وهذا الحديث يصرح بحضور محمد وعلي «صلوات الله عليهما» عند كل ميت ورؤية المؤمن لهما حقيقة لا مجازا.
NoteV00P021N١٣ وروى الصدوق ابن بابويه بإسناده عن الصادق (عليه السلام) أن أمير المؤمنين علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه.
وقال (عليه السلام):... تمسكوا بما أمركم الله به فما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى ما يحب إلا أن يحضره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿وما عند الله خير وأبقى﴾</a> (2) فتأتيه البشارة من عند الله - عز وجل - وتقر عينه ويحب لقاء الله (3).
وهذا الحديث أيضا فيه نص صريح بحضور النبي (صلى الله عليه وآله) على الحقيقة ولا يجوز حمله على المجاز لعدم تعذر الحقيقة هنا.
Halaman 21
NoteV00P022N14 وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله) في أماليه بإسناده عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: ما تقول الناس في أرواح المؤمنين بعد موتهم؟
قلت: يقولون: في حواصل طير (1) خضر.
فقال: سبحان الله! المؤمن أكرم من ذلك على الله (2).
يا يونس (3); إذا كان ذلك أتاه رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين «صلوات الله عليهم» ومعهم ملائكة الله المقربون (4)، فإن أنطق الله لسانه بالشهادة لله (5) بالتوحيد وللنبي بالنبوة ولأهل البيت بالولاية (6) شهد على ذلك رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين «صلوات الله عليهم» ومن حضر معهم من الملائكة (عليهم السلام)، فإذا قبضه الله (7) إليه صير تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته [في الدنيا] فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا (8).
فقوله (عليه السلام): (إذا كان ذلك أتاه رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين «صلوات الله عليهم» ومعهم ملائكة الله المقربون (عليهم السلام)، فإن أنطق الله لسانه بالشهادة لله بالتوحيد ، وللنبي بالنبوة، ولأهل البيت بالولاية، شهد على ذلك رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ومن حضر معهم من الملائكة «صلوات الله عليهم أجمعين»)، صريح بحضورهم عنده على الحقيقة; لسماعهم قوله وشهادتهم على إقراره واعترافه دون المجاز، ولا يجوز العدول عن هذا الظاهر من الحديث وتأوله بشيء لم يدل عليه الحديث ولا غيره من الأحاديث، ولو جاز هذا التأويل والعدول لجاز تأويل كل ما
Halaman 22
جاء عنهم (عليهم السلام) من أسرارهم التي أمروا أهل ولايتهم باحتمالها وأن لا ينكروها لعدم احتمال عقولهم لها.
وقد روى الثقات عن النبي وآله «صلوات الله عليهم» بطرق كثيرة وعبارات مختلفة اللفظ متفقة المعنى ومتغايرة في أنفسها وهو:
NoteV00P023N15 حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان (1).
فغير الملك المقرب وغير النبي المرسل وغير العبد الممتحن لا يحتمله أي لا يصدق به قلبه ويؤمن به كما احتمله وصدقه وآمن به المذكورون أولا; ولهذا كان من أركان الإيمان الرضا والتسليم، وهل يكلف الإنسان بالتسليم لأهله وترك الاعتراض إلا لشيء قد حصل منه نفرة القلوب؟!
وقد حكى الله - سبحانه وتعالى - ما جرى بين موسى والخضر (عليهما السلام) من كون موسى لم يقدر على احتمال ما أراه الخضر، هذا مع علمه بأن الله - سبحانه - أمره أن يتبعه ويتعلم منه ومع وعده إياه أنه لا يعصي له أمرا بعد أن شرط عليه القبول والتسليم، فلما رأى ما لا يقبله عقله ولا يتمكن من إحتماله أنكره عليه (2)، وهو نبي جليل المقدار، معصوم، أحد اولي العزم، فما ظنك فيمن دونه؟!.
فعلى هذا التقرير لا يجوز تأويل الحديث الذي تنكره العقول وتبادر إلى رده لجواز كونه من أسرارهم التي لا تحتمل، بل لا يجب على المكلف اعتقادها والتدين بها إلا أن تكون قد جاء بها القرآن العزيز أو السنة المتفق عليها عن آل محمد (عليهم السلام) ويجب ردها إلى آل محمد (عليهم السلام) وسؤالهم عنها والتسليم إليهم.
Halaman 23
NoteV00P024N16 وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: إنما امر الناس أن يعرفوا إمامهم ويردوا إليه ويسلموا له.
وإنما للحصر.
قال الله - تعالى -: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (1).
NoteV00P024N17 وقد روي عنهم (عليهم السلام) أن المعني بالمستنبط هم (رحمه الله) خاصة (2).
[حضورهم عند عدة أموات في أطراف الدنيا في نفس اللحظة] فعلى هذا التقرير إذا مات في اللحظة الواحدة عدة أموات في أطراف الدنيا يجب الإقرار والاعتراف بحضورهم (عليهم السلام) عند كل واحد لوعدهم الصادق للمؤمن وإغاثته من كربه وتفرج همه والوصية فيه لملك الموت.
ولا يلتفت هنا إلى الوهم وضعف العقل ولا يقال: كيف يكون الجسم الواحد في الزمان الواحد يحضر الأماكن المتعددة؟!
فإذا عرض الشيطان للعاقل ذلك رده بقول الله - سبحانه - (وكان الله على كل شيء مقتدرا) (3).
Halaman 24
NoteV00P025N18 وبما روي عنهم «صلوات الله عليهم» من قولهم: لا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتهلك (1).
ونظر فيما حكى الله - تعالى - في كتابه العزيز في قصة آصف وإحضاره عرش بلقيس من مسيرة شهرين ذاهبا وآئبا في طبق جفن على جفن (2)، وهذا آصف وصي سليمان (عليه السلام) وكان عنده حرف من الاسم الأعظم فما ظنك فيمن عنده اثنان وسبعون حرفا (3)؟!
NoteV00P025N19 وروي عن الصادق (عليه السلام) أن نسبة علم آصف إلى علم آل محمد «صلوات الله عليهم» كما تأخذ البعوضة على جناحها من البحر (4).
Halaman 25
NoteV00P026N20 وروى محمد بن الحسن الصفار بإسناده عن عبد المطلب الجعفي قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) ومعي صحيفة - أو قال: قرطاس - فيه عن جعفر بن محمد (1) (عليهما السلام): إن الدنيا مثلت لصاحب هذا الأمر في مثل فلقة الجوزة.
فقال: يا أبا عمرة! ذا حق فانقله إلى آدم. (2) وما يكون محمد ولا علي ولا فاطمة ولا الحسن ولا الحسين «صلوات الله عليهم» بدون ملك الموت (عليه السلام) حين يقبض الأرواح المتفرقة في مشارق الأرض ومغاربها في الوقت الواحد كما يأمر خالقها ومقدر آجالها، بل الحق اليقين أنه أعظم شرفه بمحبته لهم وإقراره بولايتهم ومعرفته لحقهم، ولولا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) ما خلق الله - سبحانه - من ملك ونبي وغيره (3)، هكذا جاء عنهم (عليهم السلام)، فالذي أقدر ملك الموت قادر أن يؤتي محمدا وآله (عليهم السلام) من القدرة ما آتاه ويزيدهم من فضله.
NoteV00P026N21 كما قال مولانا أبو الحسن علي بن محمد الهادي (عليهما السلام) في الزيارة الجامعة:
آتاكم الله ما لم يؤت أحدا من العالمين، طأطأ كل شريف لشرفكم، وبخع كل متكبر لطاعتكم، وذل كل جبار لعزتكم (4).
NoteV00P026N22 ولهذا الوهم ومثله قال الصادق (عليه السلام): نجا المسلمون وهلك المتكلمون (5).
Halaman 26
NoteV00P027N23 وعنه (عليه السلام): هلك أصحاب الكلام إلا من أخذ عنا (1).
NoteV00P027N24 وروي عنه أيضا أنه قال لرجل من أصحابه حين جاء رجل من الشام لمناظرة أصحابه (عليه السلام): لو كنت متكلما كلمته.
فقال له: يا بن رسول الله! سمعتك تذم أهل الكلام وتقول: ويل لأهل الكلام يقولون: هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا نعقله وهذا لا نعقله.
فقال (عليه السلام): إنما قلت: ويل لقوم تركوا قولي وأخذوا برأيهم (2).
قال الله - تعالى -: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر كل أولئك كان عنه مسؤولا) (3).
وقال - سبحانه -: (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (4).
وقال الله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
Halaman 27
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (1).
NoteV00P028N25 وروي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: الرد إلى الله الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول الرد إلى سنته (2).
والحافظ لسنته المبين لها هم الأوصياء الذين أوجب الله سؤالهم والرد إليهم (3).
وقال - سبحانه -: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (4).
NoteV00P028N26 وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها (5).
وهذا أمر يقتضي الوجوب.
NoteV00P028N27 ولهذا المعنى قال الصادق (عليه السلام): كل شيء لا يخرج من هذا البيت فهو باطل (6) (أشار إلى بيته (عليه السلام)).
NoteV00P028N28 وروى محمد بن الحسن الصفار عن السندي بن محمد عن أبان بن عثمان عن عبد الله بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول لرجل كان عنده من أهل
Halaman 28
البصرة يقال له عثمان الأعمى، قال: إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار.
فقال (عليه السلام): فهلك إذا مؤمن آل فرعون، ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا فليذهب الحسن يمينا وشمالا، فوالله ما يوجد العلم إلا هاهنا (1).
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينة العلم وجامعه ومعدنه وعلي (عليه السلام) بابه الذي فتحه الله ورسوله وأباح الدخول للخلق إلى هذه المدينة والأخذ منها بهذا الباب; فمن دخل وأخذ بغيره سمي سارقا (2).
NoteV00P029N29 وروى محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن مثنى عن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فقام إليه (3) رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): سلوني عما شئتم، فوالله (4) لا تسألوني عن شيء إلا نبأتكم [به].
فقال (عليه السلام): إنه ليس أحد عنده علم إلا بشيء (5) خرج من عند أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» فليذهب الناس حيث شاؤوا فوالله ليس الأمر إلا من هاهنا; (وأشار إلى بيته (عليه السلام)) (6).
ويقرب من هذا المعنى قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):
Halaman 29
NoteV00P030N30 رب عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه (1).
فهو عالم عند عامة الناس قد اتفقوا عليه بالعلم، وهو عند الله وعند رسوله وعند أهل بيته «صلوات الله عليهم» قد قتله جهله; لأنه لم يأخذ علمه عن الباب الذي فتحه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وامتنا به على الخلق، وأذنا لهم بالدخول منه إلى خزانة العلم ومدينة الحكمة التي فيها حياة كل ميت، وغنى كل فقير، وعز كل ذليل، وبصر كل أعمى، وسمع كل أصم، بل أخذ علمه عن أفواه الرجال.
NoteV00P030N31 وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ومن أخذ دينه عن الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل (2).
NoteV00P030N32 وذم أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» قوما من العلماء فقال: ينقل بعضهم من فم بعض.
NoteV00P030N33 وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: تمصون الثمار وتدعون النهر العظيم.
فقيل: وما النهر العظيم؟ فقال (عليه السلام): رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (3).
Halaman 30
وقال الله - سبحانه -: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) (1).
وقال - سبحانه -: (وأتوا البيوت من أبوابها) (2).
[إن المؤمن يأكل ويشرب ويتنعم بعد موته] ثم نرجع إلى البحث عن معاني حديث يونس بن ظبيان:
فقوله (عليه السلام): «فإذا قبضه الله إليه صير تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته، فيأكلون ويشربون، وإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا».
صدق عليه السلام، فقد روى صاحب الاحتجاج عن الصادق (عليه السلام):
NoteV00P031N34 إن الروح لا توصف بثقل ولا خفة وهي جسم رقيق قد البس قالبا كثيفا فهي بمنزلة الريح في الزق فإذا نفخت فيه امتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها ولا ينقصه خروجها، وكذلك الروح ليس لها وزن ولا ثقل (3).
فحينئذ لابد لها من قالب تقوم به ويقوم بها، ويأكل البدن ويشرب، فحياته بها وبملازمتها إياه، وبه تعرف وتقصد وتحدث، وبها يأمر وينهى ويثاب ويعاقب، وقد تفارقه ويلبسها الله - تعالى - غيره على ما تقتضيه حكمته، كما جاء في هذا الحديث وغيره: أن أرواح المؤمنين يأكلون ويشربون ويتحدثون ويزورون أهاليهم (4)، وكل هذا يدل على ما قالوه (عليهم السلام) من الذي ينقلها الله إليه مثل قالبها الأول.
NoteV00P031N35 وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله) في مصباحه في الزيارة الجامعة التي خرجت من الناحية المقدسة يزار بها كل إمام إذا حضر مشهده في
Halaman 31
شهر رجب: الحمد لله الذي أشهدنا مشهد أوليائه في رجب وأوجب علينا من حقهم ما قد وجب.... إلى أن قال:
وأن يرجعني من حضرتكم خير مرجع إلى جناب ممرع وخفض عيش موسع ودعة ومهل إلى حين الأجل وخير مصير ومحل في النعيم الأول والعيش المقتبل ودوام الاكل وشرب الرحيق والسلسل وعل ونهل لا سأم منه ولا ملل ورحمة الله وبركاته وتحياته حتى العود إلى حضرتكم والفوز في كرتكم والحشر في زمرتكم (1).
فعلم (عليه السلام) الزائر ما يسأل من بعد رجوعه إلى أهله ووطنه من طيب عيش وسعة ورزق ومهلة إلى حين حضور أجله.
[الإجماع على ثبوت الرجعة إلى الدنيا بعد الموت] ثم ما يسأل أن يكون انتقاله بعد موته إلى خير مصير ومحل من تنعم وأكل وشرب من غير سأم ولا ملل إلى حين كرته إلى الدنيا مع إمامه «صلوات الله عليه» وذلك مما أجمع عليه الإمامية.
نقل الإجماع من الشيعة على هذه المسألة: الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (2) (رضي الله عنه).
ونقل الإجماع أيضا: السيد المرتضى (3) (رضي الله عنه).
Halaman 32