تخلفين له عينيك الساهرتين، وقلبك العاشق.
وفي ظهيرة الحياة وأصيلها لا تزال قلوبنا تنبض بذكرى أيام لم تكن فيها السعادة خالصة، وإنما كانت مخدرة بلذة الألم والخوف. ومن قال عن الحب:
إن كل متعة أخرى لا تساوي ألمه.
قد مس سر الموضوع. تلك كانت أياما لم يكن يكفينا منها أن نستغرق النهار كله في عذب الذكريات، وإنما كان لا بد من الليل كذلك. وكان الرأس يغلي طوال الليل فوق الوسادة بالعمل الكريم الذي يعتزم أداءه، وكان ضوء القمر حرارة تمتع النفوس، وكانت النجوم أحرفا، والزهور ألغازا، والهواء يصفر غناء، وكان كل عمل سفاهة، وكل الرجال والنساء الذين يعدون في الطرقات جيئة وذهابا صورا مجردة.
العاطفة تعيد بناء الدنيا للشباب، وتجعل كل شيء حيا له معنى فتصبح الطبيعة واعية، ويغني كل طائر على أغصان الشجر لقلبه وروحه. ويكاد النغم أن ينطق. وتكتسب السحب أوجها حينما ينظر إليها. وأشجار الغابة، والحشائش المتموجة، والأزهار المتفتحة، تكتسب عقلا وحكمة، ويكاد يخشى أن يعهد إليها بالسير الذي يبدو أنها تدركه. ومع ذلك فالطبيعة تريحه وتعطف عليه. ويجد في عزلة الحقول مأوى أعز مما يجد عند الناس:
الينابيع والأحراش التي تخلو من الممرات،
والأماكن التي تعشقها العاطفة الملتهبة،
والطرقات التي يضيئها القمر، عندما تأوي كل الطيور،
آمنة إلى أوكارها، خلا الوطاويط والبوم،
والناقوس في وسط الليل، والأنة العابرة،
Halaman tidak diketahui