وتلك مسألة لا يحلها إلا الزمن، وسيكون الفوز فيها للأنفع على كل حال.
3
على أن الحياة متحركة والمعاني تستحدث في كل يوم، ولا بد للعلماء والأدباء من أن يقولوا، وهم يقولون فعلا، وهم يؤدون أغراضهم بما يتهيأ لكل منهم من فنون الكلام، وهنا لا يسعني إلا أن أذكر بالخير كله أنصار القديم، فلولا غيرتهم وحرصهم على لغتهم ، واستظهارهم لبدائعها، وتعقبهم لكل منحرف عن قوانينها، ناشز على أساليبها، لعفت اللغة، وتبلبلت الألسن، وتشعبت اللهجات، وأضحى هذا التراث الجليل أثرا من الآثار، وبخاصة في هذا العصر الذي هجمت فيه حضارة الغرب على أهل الشرق من كل مكان.
ومهما يكن من شيء فإن من أفحش الظلم أن يتدلى أنصار الجديد بمعانيهم في ألفاظ وصيغ لا تستقيم للغة إذا كان في فصيح العربية ما يغني في أدائها كاملة غير موتورة، وأحسب أن هذا موضع اتفاق بين الفريقين، وأرى أن حركتنا في هذا الباب مرضية - بقدر ما - إن لم تكن كاملة، فاللغويون يعرضون، والأدباء يستظهرون، والمترجمون يتحرون؛ ولغتنا كل يوم تتبسط لتتناول مختلف الأغراض.
أما ذلك الإشكال الذي أسلفت الكلام فيه فكأني بصديقي الدكتور هيكل قد فطن إلى أنه لا يمكن أن يحل بجهد الجماعات، فلقد جربت مصر لهذا الغرض نفسه جمعية بعد جمعية، وبلت مؤتمرا بعد مؤتمر، فلم تظفر اللغة منها كلها إلا بخذلان، فالتفت بالأمل إلى جهد النوابغ الأفذاذ، وفي الحق إننا مدينون بكل نهضاتنا، والأدبية منها بوجه خاص، لجهد أولئك النوابغ الأفذاذ.
وقد رد الدكتور هيكل سبب انصداع المتأدبين إلى أنصار قديم وأنصار حديث إلى أن «مثل هذا الخلاف يرجع إلى قيام طائفتين اختلف تهذيب كل منهما، واختلفت ثقافتها عن الأخرى، فتعذر عليهما التعاون الواجب لخلق روح قومية للثقافة والأدب، ولن يزال هذا الخلاف ما بقي الاختلاف بين الطائفتين في التهذيب والثقافة، وما بقيت الأمة في علمها وأدبها كلا على سواها وعالة على غيرها» ا.ه.
وهذا كلام صحيح، وإن من يمن الطالع أنه في الوقت الذي تدور فيه هذه المناقشة تأخذ وزارة معارفنا أهبتها لإنشاء جامعة تضم إلى كلياتها العظيمة كلية للآداب خاصة، ولا شك في أنها ستروي طلبتها آدابا من آداب أمم الشرق والغرب، ولكن ملاك الأدب فيها ومادته وأساسه لن تكون بالطبع غير العربية، فليطمئن صديقي، فلن نلبث طويلا إن شاء الله حتى نظفر بأدبنا القومي، فلا نكون عيالا على غيرنا، وحتى تتقارب مذاهب أنظارنا باتحاد ثقافتنا، فلا يرى بين ناشئتنا الجديدة - على الأقل - ما يرى بيننا نحن من فرقة في قضية الأدب وانصداع.
فلننظر المستقبل في غبطة وأمل وارتياح.
كيف نبعث الأدب
4
Halaman tidak diketahui