وإذ تستوي في الدنيا فتى لا يراك إلا أخا يماده أوثق أسباب الإخاء، وصديقا يصفيه أحلى علائق المودة والولاء.
وحين تعلو به السن، ويلحقه الوهن، وتتداخله الأسقام من كل جانب، لا يتمثل فيك إلا الأب يعوذ به ولده كلما أدركه العجز أو أصابه المكروه من أي ناحية، فكنت للوالد البر: الوالد العطوف الحنان، فقارضت عطفا بعطف، وبادلت برا ببر، وقضيت الدين خير القضاء، ووفيت الحق وأغليت الوفاء.
ولقد مضى أبوك، وما أحسبه وهو متقلب في رضوان الله إلا راثيا لشانك، حزينا لبكائك وأحزانك، حتى ليصح فيكما قول الشاعر:
لو كان يدري الميت ماذا بعده
للحي منه بكى له في قبره
غصص تكاد تفيض منها نفسه
ويكاد يخرج قلبه من صدره
وا رحمتاه لك! إن عذابك لأشد من كل عذاب، وإن مصابك لأجل من كل مصاب.
لست أسأل لك يا صديقي اليوم سلوا، فهيهات لي أن أطلب المحال، ولا أسأل أن يرقا دمعك، فالله تعالى أرأف من أن يكظم هذا الأسى كله في صدرك، فإن جمود العين في مثل ما أنت فيه من العي بالبكاء، وهو أشد من عي اللسان بالكلام، بل إني لأدعو الله أن يفيض شئونك حتى يروح عن هذه الروح المجروحة، ويفرج عن هذه الكبد المقروحة.
لم يخلق الدمع لامرئ عبثا
Halaman tidak diketahui