170

ولقد طاف محمد كثيرا ببلاد أوروبا، إما موفدا من أبيه في بعض مساعيه، وإما متفرجا متنزها، وله في وصف مؤتمر باريس سنة 1900 مقال بارع بديع، كان ينشر منجما في مصباح الشرق،

7

وطاف كذلك بالبلاد السورية، وزار المدينة المنورة، ووصف القبر الشريف أحسن وصف وأبدعه، ونشره في جريدة المؤيد.

8

واستقر المويلحيان أخيرا في مصر ما يبرحانها إلا للنزهة والرياضة، وأصدرا صحيفة «مصباح الشرق»، وقد مرت بك صفتها في أول مقال، ثم طواها كما ذكرت لك، واعتكف محمد في داره لا يلي عملا عاما، حتى عين في سنة 1910 رئيسا لقسم الإدارة والسكرتارية في ديوان «عموم» الأوقاف، وأزيل عن هذا المنصب بعد إذ قامت الحرب العظمى، وتبدلت الحال، لأسباب لا يحتمل ذكرها هذا المقال، فعاد إلى اعتكافه لا يتدلى إلى البلد إلا في قضاء حاجة، أو مساهرة من يستطيب مجالستهم من الصحاب، وظل كذلك إلى الشكاة التي مات فيها، عليه رحمة الله، وكانت وفاته في يوم 10 مارس سنة 1930.

أخلاق المويلحي وعاداته

قبل أن أطرق هذا الباب من سيرة الرجل، يحسن بي أن أقرر أنه لم يكن على حظ من نطاقة اللسان؛ بل لقد كان يعتريه في بعض الحديث ما يشبه الحبسة؛ بل لقد تتعثر الكلمة في حلقه فلا يستطيع أن يلفظها إلا بمط عنقه، كأنما يمرئ لها مجرى الصوت.

ومن أهم ما يلفت النظر في خلاله، أنه كان أقل خلق الله تأثرا بما يغمر المرء من متعارف الناس ومصطلحهم في عاداتهم وتقاليدهم وسائر أسبابهم؛ بل لقد كان له نظره الخاص في الأشياء، وكان له حكمه الخاص عليها، وهو إنما يأخذ نفسه بما يصح عنده من هذه الأحكام، لا يبالي أحدا؛ ولا يتأثر كما قلت بأثر خارجي، ولو كان مما انعقد عليه إجماع الناس، وإذا كنت قد نعته «بالفيلسوف» فإنما أعني هذه الصفة فيه، فإنني لم أكد أرى رجلا لاءم كل الملاءمة بين رأيه في أسباب الحياة، وشدة تحريه أخذ النفس بأحكام هذا الرأي، كما بان لي من خلة هذا الرجل، بحكم ملابستي له السنين الطوال.

ولقد كانت له آراء في كثير من الأشياء لقد تبدو غريبة، حتى يظن أن في طريقة تفكيره شيئا من الشذوذ والانحراف، وما أحيل هذا إلا على أنه لا يخف لمطاوعة الناس في كل ما يستوي من الإدراك للناس!

ثم لقد كان رجلا يرجح عقله ذكاءه، وإنه ليحتاج في تفهم دقائق المعاني إلى شيء من المطاولة والتدبير، على أنها بعد هذا تتسق لذهنه مدركة ناضجة، لا كما تخطر لحداد الذكاء «خطرة البرق بدا ثم اضمحل»!

Halaman tidak diketahui