وقد تلقاني في غرفة الاستقبال، وهي غرفة أنيقة حقا، لقد أثثت بأفخر الأثاث وأغلاه، وأفخر من كل شيء فيها الأناقة في تصفيف الفراش والذوق التام، وقد زينت أجبنها
6
بصور كبيرة له ولأبيه، وللأميرة نازلي فاضل، وللسيد جمال الدين الأفغاني، وبألواح خطية جميلة جرت بروائع الحكم، وأكثرها من شعر المعري.
وخضنا في أحاديث من أحاديث الأدب، ولونا الكلام تلوينا حتى تجاوزنا نصف الليل، وتفارقنا وكأن حبل المودة بيننا ممدودة من عشرين سنة، وتواعدنا اللقاء ما تهيأ لنا، وكذلك استمكن الإلف، واستوثقت حبال الود، فما نتفارق إلا على موعد من لقاء قريب، ولقد أعيش معه اليومين والثلاثة نقرأ عامة نهارنا وصدرا من ليلنا كتبا، أو نتذاكر أدبا.
وكان ممن يختلفون إلى داره مغرب الشمس عادة بعض أقطاب العلم وأصحاب الرأي والبيان والبداءة المواتية، وأذكر منهم المرحومين: عمه السيد عبد السلام باشا المويلحي (سر تجارب مصر)، والسيد محمد توفيق البكري، والشيخ علي يوسف، بعد إذ تصافت القلوب مما كان علق بها من الأضغان، والسيد محمد البابلي، ومحمد بك رشاد، وحافظ بك إبراهيم، وعبد الرحيم بك أحمد، وحافظ بك عوض، والسيد عبد الحميد البنان، أحياهما الله أطيب الحياة؛ وخذ ما شئت في أثناء هذه المجالس من أدب رائع، ومن نادرة طريفة، ومن حاضر نكتة قل أن تسخو بمثلها الأذهان.
ولقد كنا نقضي معا عامة الصيف في مدينة الإسكندرية، ولعل من أسعد هذه الأصياف ذلك الذي قضيناه معا في فندق في ضاحية المكس خالصين للرياضة ومراجعة الكتب في مختلف الآداب، لا ننحدر إلى صلب المدينة إلا لقضاء سهرة مونقة مع آثر الصحاب، كما عشنا معا في شتاء سنة 1911 و1912 بضعة أشهر في دار استأجرناها في حلوان.
وفي سنة 1910 قلد في ديوان «عموم» الأوقاف منصب رئيس قسم الإدارة والسكرتارية، وفي يناير من سنة 1911 عينت في «قلم السكرتارية»، وللمويلحي في هذا التعيين سعي غير منكور، وبهذا أصبح لي رئيسا، كما كان لي أستاذا وصديقا.
ولقد ظل الود بيننا موصولا حتى قبض إلى رحمة الله.
نشأته ودراسته
هو السيد محمد المويلحي بن إبراهيم بك بن السيد عبد الخالق المويلحي، أصلهم من مرفأ المويلح ببلاد العرب، هبط جدودهم مصر من زمن غير قصير، وكانوا يتجرون في صناعة الحرير؛ وهم أهل نعمة وثراء، ولقد أتلف أبوه إبراهيم كل ما كان في يده من الأموال، فلم ينزلق عنه لبنيه إلا نطاف من الاستحقاق في بعض الأوقاف.
Halaman tidak diketahui