بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين رُوي عن محمد بن حاطب أن رسول الله ﷺ قال: فصل ما بين الحلال والحرام الصوت وضرب الدف. وعن عائشة قالت: دخل أبو بكر ﵁ وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، فقال أبو بكر: بمزمور الشيطان في بيت رسول الله وذلك يوم عيد. فقال النبي ﷺ: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا. وعن الشعبي قال: مرّ رسول الله ﷺ بأصحاب الدنكله وهم يلعبون فقال: خذوا يا بني أرفدة حتّى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة. فأخذوا يلعبون ويقولون: أبو القسم الطيب أبو القاسم الطيب. فجاء عمر فلما رأوه تذاعروا. وعن عكرمة قال: ختن عبد الله بن عباس بنيه فأمرني فاستأجرت له لعابين بأربعة دراهم. وقال اسحق: سأل الرشيد إبراهيم بن سعد الزهري عن من بالمدينة يطلب تحريم الغناء. فقال: من قنَّعه الله بخزيه. فقال: بلى مالك بن أنس فقال شهادتي عليه أنه سمع في عرس مالكًا ابن حنظلة يغني: سليمى أجمعت بينا ... فأين تقوله أينا وعن عطاء قال: لا بأس بالغناء والحداء للمحرم. وذكر الغنا فشدد فيه عمرو ابن عبيد ورخص فيه بن جريج. فقال عمرو: إن الله يقول: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. فأخبرني من يكتبه أصاحب اليمين أم صاحب الشمال. قال ابن جريج لا يكتبه واحد منهما لأنه لغو ليس بحسنة فيكتبها صاحب اليمين ولا بسيئة فيكتبها صاحب الشمال. والرخص في الغناء كثيرة ولولا مخافة التطويل لا تيت على ذلك. ومعرفة الأغاني أحد الفلسفة الأربعة وهي حدود المنطق ومعرفة الطب وعلم النجوم والموسيقى وهو الألحان. وكانت الأوائل تعظم هذا الشأن. فدخل على الإسكندر رجل موسيقي فأظهر إكرامه. فقال له جلساؤه: كيف أكرمت هذا هذه الكرامة. فقال: ليس الرجل أكرمت ولكن الموسيقية أكرمت. وقال الإسكندر: من فهم اللحون استغنا عن سائر اللذات. وقالت الفلاسفة: إن النغم والأغاني فضيلة شريفة كانت خفيت على المنطق ليست في قدرته فلم يقوَ على إخراجها. فأخرجتها النفس ألحانًا. فلما ظهرت سرت بها وعشقتها وطربت لها.. وقالت الحكماء: الموسيقي يدرّج أبناء الفلاسفة ويسوقهم إلى سائر العلوم لأن باطنه لهو العقول وظاهره لهو الحواس. وجعل الله كل حاسة تتعب بحركتها غير السمع، فإنه خصّه الله بورود الصوت عليه من غير حركة ولا مؤونة. فألوم الأمور للنفس سماع النغم الحسان الممازج لأوتار العيدان. فضل الغناء فضل الغناء على المنطق كفضل المنطق على الخرس، والبرؤ على السقم، والدينار على الدرهم. وفضل العود على جميع الملاهي كفضل الإنسان المميز على سائر الحيوان. وأول من اتخذ العود لمك بن متوشيل بن محويل بن عبرد بن أخنوخ بن قينان بن آدم. كان له ابنًا كذا يحبه حبًا شديدًا فمات. فعلّقه بشجرة وقال: انظر إليه أبدًا فتقطعت أوصاله حتى بقي منه فخذه والساق والقدم والأصابع. فأخذ خشبًا فرقّقه وألزقه فجعل صورة العود كالفخذ وعنقه كالساق والبنجك كالقدم والملاوي كالأصابع والأوتار كالعروق. ثم ضرب به وناح عليه فنطق العود. قال الحمدوي: وناطقٍ بلسان لا ضميرَ له ... كأنَّه فخذ نيطت إلى قدم يُبدي ضمير سواه في الحديث ... يُبدي ضمير سواه منطق القلم وعمل توبل ابن لمك الطبول والدففة. وعملت صلا ابنة لمك المعازف. ثم عمل قوم لوط الطنابير يستميلون بها الغلمان. ثم اتخذ الرعا والأكراد أنواعًا مما يصفّر به. كانت أغنامهم إذا تفرقت صفروا لها فاجتمعت. ثم سوّت الفلاسفة العود. قال فيذرس الرومي: جُعلت الأوتار الأربعة بازاء الطبائع الأربعة. فجعل الزير بازاء المرّة الصفراء والمثنى بازاء الدم والمثلث بازاء البلغم والبمّ بازاء السوداء. فالزير للخنصر والمثنى للبنصر ووزنه ضعف وزن الزير والمثلث للوسطى ووزنه ضعفا وزن الزير والبم للسبابة ووزنه ثلاثة أضعاف وزن الزير. واتخذت الفرس الناي للعود والزنامي للطنبور والسرناي للطبل والمتج للصنج. وكان غناء الفرس بالعيدان والصنوج وهي لهم ولهم النغم والإيقاعات والمقاطع والكروف وهي ثمانية. بندستان ثم بهار وهو أفصحها ثم إبرين وهو أكثرها استعمالًا لسفلى

1 / 1

الأوتار ثم أبرينه وهو أجمعها لمحاسن النغَم وأكثرها تصعيدًا وتحدرًا طبقة إلى طبقة ثم ماذرواسبان وهو أثقلها وأشدها تأنيًا وخروجًا من نغمة إلى أخرى. ثم شسم وهو المختلس بالأصابع المثقل ثم القبة وهو المحثوث بالإدراج، المستدير في معاطف ألحانه ثم أسبراس وهو المُدرج الموقوف على نغمه. وكانت الملوك تنام على الغنا ليسري السرور في عروقها. قال الشاعر: وغناء مُسْمِعَةٍ تعللنا ... حتى ننام تناوم العجم وقال كسرى: العود أجلّ الملاهي وودت أني افتديت اصلاحه بماية ألف درهم. وللفرس الونج وعليه سبعة أوتار وإيقاعه يشبه إيقاع الصنج وبه كان غناء أهل خراسان وما والاها. وكان غناء أهل الري وطبرستان والديلم بالطنابير. وكانت الفرس تقدم الطنبور على كثير من الملاهي. وكان غناء النبط والجرامقة بالغندورات وإيقاعها يشبه إيقاع الطنابير. وكان أكبر مغن للفرس أيام كسرى أبرويز بهلبذ وكان مروزيًَّاًً ضاربًا بالعود حاذقًا فايقًا يغني بكالم موزون يركب له الألحان وكان إذا حدث ما يجبن الكُتّاب وأصحاب الأخبار عن أنهايه إلى الملك، أعلموه فغنى فيه وضرب عليه ضربًا يسكن من الغضب. وكان ما غناه من هذا الضرب ومن أصواته المعروفة في المديح وفي التهنية وما أشبه ذلك خمسة وسبعون صوتًا منها صوته. عسا زيارة قيصر وخاقان كسرى أبرويز قيصر ماه مانذ وخاقان خرشيد أي قيصر يشبه القمر وخاقان الشمس إن من خذاي أدرما نذكا مغاران أي الذي هو مولاي يشبه الغيم المتمكن كخاهذ ماه بوشد كخاهذ خرشيد أي إذا شاء غطا القمر وإذا شاء الشمس وكان له مع غنائه ظرف وأدب فطرب له أبرويز في ليله باردة، فدعا به وعنده سيرين. فقال له: اشتقت إليك وأحببت أن أقطع بك ليلتي. فشربنا وغنا حتى سكر بهلبذ وخرج ليبول فسقط عند أصل سدرة فنام فقال أبرويز لسيرين: قد أبطا ضيفنا وخرج فرآه نايمًا فطرح عليه جزر سمور كان عليه. فلما كان وجه الصبح قال أبرويز لسيرين: ما ترين حال ضيفنا. قالت: الملك أعلم. قال: أراه هبّ من نومه فرأى ثوبي عليه فعرفه فأجلّه فنزعه ونزع قباه فبسطه ووضع ثوبي عليه وكفر قائمًا عنده. فقالت سيرين إن كان هكذا فالملك ينظر بنور الله. قال: قومي فقاما فوجداه كذلك فأمر له بمال وأقطعه براز الروز وقطائعًا بالريّ. ثمّ مرّ أبرويز في طريق فرأى غلامًا فارسيًا يقال له شركاس معه بقرة عليها سماد وهو يغني فأعجبه حسن خلقه. فضمه إلى بَهْلبذ وأمره بتعليمه الغناء. فحذق وفاقه فحسده بهلبذ فقتله. ودعا به أبرويز قال: هو عليل. ثم بلغه خبره فقال لبهلبذ أبي حسد صدرك ونغل جوفك إلا قتله وقد علمت أني كنت أستريح منك إليه ومنه إليك فذهبت بشطر طربي. وأمر بإلقائه تحت الفيلة. فقال: أيها الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وقتلتني فقتلت أنت الشطر الآخر. ألاتكون جنايتك على طربك أكثر من جنايتي. فقال كسرى. ما دله عليّ هذا الكلام إلا ما جعل الله له من المدة وأمر بتخليته. وبقي بهلبذ بعد كسرى دهرًا. وللروم من الملاهي الأرغن وعليه ستة عشر وترًا وله صوت بعيد المذهب وهو من صنعة اليونان والسلياني وله أربعة وعشرون وترًا وتفسيره ألف صوت. ولهم اللورا وهي الرباب وهو من خشب وله خمسة أوتار ولهم القيثارة ولها اثنا عشر وترًا ولهم الصلنج من جلود العجاجيل وكل هذه معازف مختلفة الصنعة. وللهند الكركله وهي وتر واحد يمدّ على قرعةٍ فيقوم مقام العود والصنج. وكان الحداء في العرب قبل الغناء. روي أن مضر بن نزار خرج في مال له فوجد غلامه قد تفرقت عنه الإبل فشد عليه فضربه على يده بعصًا فعدا الغلام وهو يصيح وايداه وايداه. فسمعت الإبل صوته فتعطَّفت عليه، فقال مُضر لو اشتق من الكلام مثل هذا لكان يشا تجتمع عليه الإبل.

1 / 2

فاشتقّ حينئذ الحدا هاديًا هاديًا على قوله وايداه وايداه. فكان الحدا أول السماع والترجيع في العرب. ثم اشتق الغناء من الحداء حباب بن عبد الله الكلبي فغنى النصب وتمن نساء العرب على موتاهن ولم أرَ أمه بعد الفرس والروم أولع بالملاهي ولا أطرب من العرب. وكان غناءهم النصب ثلاثة أجناس: الركباني والسناد الثقيل والهزج الخفيف. فأول من غنى من العرب العاربة الجرادتان وكانتا قينتين على عهد عاد لمعوية بن بكر العملقي وكانت تسمّى القينة الكرينة والعود المزمر. قال لبيد: أغلى السباء بكل أدكن عاتقٍ ... أوجونةٍ قدحت وفض ختامها بصبوح صافيةٍ وجذب كرينةٍ ... بموتّر تأتالهُ إبهامها ثم غنى جُذيمة الخزُاعي بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمر بن عامر وكان من أحسن الناس صوتًا فسمي المصطلق وهو الحسن الخلق في كلام العرب غناء النصب. ثم غنى بعده ربيعة وهو ضبيس الخُزاعي بن حزام بن حيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن عامر. ثم غنى زمام بن خطام الكلبي الذي يقول فيه الصمة القشيري: دعوت زمامًا للهوى فأجابني ... واي فتى للهو بعد زمام القيان عند العرب وأول من اتّخذ القيان من العرب أهل يثرب أخذوا ذلك من بقايا عاد. ولم تكن قريش تعرف من الغنا إلا النصب حتى قدم النضر بن الحرث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العراق فتعلّم بالحيرة ضرب العود وغناء العبادين فقدم مكة فعلّم أهلها فاتخذوا القيان. والغناء من أكبر اللذات وأسرّ للنفس من جميع الشهوات يرق الذهن ويلين العريكة ويهيج النفس ويسرّها ويشجع الجبان ويسخي البخيل ويحيى القلب ويزيد في العقل ويفتح في الرأي وله مع النبيذ تعاون على الحزن الماد للبدن يحدثان له نشاطًا ويفرجان للكرب. والغناء على الانفراد يفعل ذلك. قال عبد الله بن جعفر أن للطرب لأريحية لو لقيت عندها لأبليت ولو سألت لأعطيت. قال الحطيئة: جنّبوبي الغناء فإنه رقية الزنا. قال الشاعر: لا تبعثن إلى همومك إن ثوت ... غير المدام ونغمة الأوتار فلله درّ حكيم استنبطه وفيلسوف استخرجه أي غامض ومكنون كشف وعلى أي دفين ومكتوم دل وإلي أي علم وفضيلة سبق فذاك نشيج وحده وقريع دهره. وقال جالينوس: يحتاج السمع أن يرق بالصوت المونق كما يحتاج البدن إلى اعتدال الطبائع. والغناء غذاء السمع كما أن الطعام غذاء البدن فقد نرى أهل الصناعات الذين يكدّون برًا وبحرًا إذا خافوا الملالة والفتور ترنموا وشغلوا أنفسهم بذلك عن ألم التعب. ونرى الشجعاء وأبناء الحرب قد احتالوا بنفخ أنواع البوقات وقرعوا الطبول لتهون عليهم الشدائد. ونرى بالمد أهل العبادة والرهبانية يبكون على خطاياهم بالألحان الشجية يستريحون إلى ذلك. وقد حدّث الوليد بن سلمة عن ابن جرير عن عطاء عن عبيد بن عمير الليثي قال: كانت لداود النبي ﵇ معزفة فكان إذا أراد أن يبكي ضرب بها، فردد صوته فبكا وأبكا. وحدّث يحيى بن العلاء عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن ابن عبّاس قال: كان داود يقرأ الزبور ثلاثين صوتًا يطرب منهن المحموم. وكان إذا كان أخر الليل فأراد أن يبكي نفسه لم يبقَ حوله دابّة ولا وحش إلا بكى لبكائه. ورووا أنه كان يزمر بمزمارة عند ملك بني إسرائيل فيسكن ما كان به من الخبل والمسّ. ونرى الطفل يرتاح للغناء. وسيتبدل ببكائه ضحكًا. ونرى الإبل يحدوا بها الحادي فتمعن في سيرها. ونرى الراعي يرفع يراعه فتجد الشاة في رعيها وتصفر الفرسان في المشارع فتجد الدوابّ في شربها. قال الشاعر: اليوم يوم بكور ... على تمام السرور ويوم عزف قيان ... مثل التماثيل حور ولا تكاد جياد ... تروا بغير صفير وقال أبو نواس: وجدت ألذ عارية الليالي ... قران النغم بالوتر الصحيح ومسمعه إذا ماشئت غنت ... متى كان الخيام بذي طلوح الحيوان الطروب

1 / 3

ومن الطير النواطق التي توقع، الخطاطيف والفواخت والهزاردستان فإنه خاصة يدنوا من الضرب والزمر والملهين. وأعجب من هذا اتخاذ أهل البطائح حظائر القصب في الماء وتركهن لها أبوابًا وصعودهم ينادون السمك يدعونها إلى تلك الحظائر ويعدونها مرعًا وعلفًا وكفا عن الإضرار والصيد فتجتمع إلى ذلك الصوت حتى تمتلي الحظاير. وذكرت الهند أن الفيل إذا أخذ امتنع من العلف والشرب وبكا حنينًا إلى الوطن والألف فتعزّيه الشعراء وتغنيه المغنون الألحان الشجية الملهية حتّى تطيب نفسه ويعتلف ويشرب. وذكروا أن أهل الرومية إذا ثقل عندهم المريض وضعف أسمعوه ألحانًا وضربًا وقالوا أن ذلك يخفف وجعه ويقوّيه. وكان الإسكندر لا يشرب الشراب إلا للعلاج وكان إذا التاث عليه الرأي في بعض الحروب أمر بتحريك الأرغين فإذا مضت نفسه في الفطرة وتوجه له الرأي ضرب بعموده ترسًا بين يديه فيمسك الموسيقار وهو المغني. الموسيقار وسمع أرسطاطاليس موسيقارًا يضرب بالقيثارة ضربًا يميز به الفضائل من الرذائل. فقال: متى كانت الطبيعة تهدي لهذا لولا النفس. وكان المياغورس إذا جلس على الشراب قال للموسيقار حاسب النفس على المقادير وناجها بأشكالها ولا تحفل بالطبيعة. وكان جالينوس يحضر مجالس الإلهاء والطرب. فقيل له: لم تحضرها وليست من شأنك. قال: لا عرف مزاج القوي والطبائع في حال مستمع ومنظر ومجس. وكان هرمس المثلث بالحكمة إذا جلس على الشراب قال للموسيقار أطلق النفس من رباطها. وخرج أرفارس ومعه تلميذه فسمع صوت القيثارة فقال لتلميذه: امضِ بنا على هذا لعلّنا نفيد منه صورة شريفة فلما قربا منه سمعا صوتًا نديًا وتأليفًا غير متّفق، فقال أرفارس: يزعم أهل الكهانة والزجر أن صوت البومة يدل على موت إنسان فإن كان ما قالوا حقًا فصوت هذا يدل على موت البومة. الغناء وأثره وقد وصف الغناء قوم من أهل زماننا. فقال يحيى بن خالد بن برمك: الغناء ما أطرب فأرقصك أو أشجاك فأبكاك وما سوى ذلك فبلاء وهمّ. وكان بين ابن جامع وإبراهيم الموصلي اختلاف شديد في الغناء. قال ابن جامع لإبراهيم يومًا بين يدي الرشيد: إن خبّرتني أي الغناء أحسن فإني فاعله. فقال: أحسنه ما أشبه النوح. قال: صدقت ووافقه في هذه الصفة. وقال إسحق بن إبراهيم: الغناء القديم مثل الوشي يجمع الأصفر والأحمر والأخضر وسائر الألوان وبينها بون بعيد التفاوت. وقال الطرب: على ثلاثة أوجه طرب محرك مستخف وذلك إذا كان شعر الغناء في العتيق أو نعت الشراب وإن ذكر أحد من الندامى أن في الدنيا لذّة هي أكثر من هذا فلا تصدّقه. وجدت له هذا الصوت: أصلح الناس كأنه قفرا ... غير معنى معازف ورسوم أمامه من حسن ... ذلك الصفا والتنعيم أخبار المغنين الطبقة الأولى حابل أبي دهبل مكّي وكان غلامًا لأبي دهبل الجمحي. له هذا الصوت والناس ينسبونه إلى مالك: تطاول هذا الليل لا يتبلّج ... وأعيت غواشي زفرتي ما تفرّج أبيت بهمٍّ لا أنام كأنما ... خلال ضلوعي جمرة تتوهّج لأبي دهبل ثقيل الثاني. أبو الخز مولى سكينة بنت الحسين. كان ظريفًا ودخل عليه لصٌّ فكوّر ثيابه وحملها فصاح أبو الخز: بأبي ما أسمك. قال.: نافع. فقال: نفع والله لغيري. وجدت له هذا الصوت وقد شارك فيه مالك وغيره: كلُّ قومٍ صيغة من تبرهم ... وبني عبد مناف من ذهب إنما عبد مناف جوهر ... زين الجوهر عبد المطلب للفضل ابن عتبة خفيف ثقيل الأول الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وكان يزيد أبوه فتىً من بني أمية والوليد خليعهم وكان شاعرًا يغني. قال إسحق: ولم يكن للغناء في أول الزمان قدرًا إنما كانت تعلمه السودا والصفرا حتى ولّي الوليد بن يزيد فرغب فيه الناس فيه فعلموه الحسان واعرقوا فيه. ففي أيامه بلغ الغناء غايته. عبد الله بن معاويةالباهلي كان مع قتيبة بن مسلم الباهلي بخراسان وكان منزله بالري. وجدت له هذه الصوت: فلما دبت الصهباء فينا ... وغرد صاحبي وخلا الوساد شربنا من فؤاد الدن حتى ... تركنا الدن ليس له فؤاد الطبقة الثانية

1 / 4

ثم كانت الطبقة الثانية وقد أدركوا دولة بني العبّاس منهم: سياط واسمه عبد الله بن وهب مكي مولى لخزاعة أحد المحسنين مع حسن. وكان رواية يونس وهو علم إبراهيم الموصلي. ولإبراهيم فيه هذا الشعر والغناء: ما سمعنا منه له من غناءٍ ... لأ شجاني وعاد لي وسواسي ما أبالي إذا سمعت غناء ... لسياط ما فاتني الرواسي غنني يا سياط قد ذهب اللي ... ل غناء يطير منه نعاسي يعني عباس مولى بني رواس ابن كلاب والغناء. في هذا البيت الأخير لسياط ولم يُعمَّر طويلًا. وغنى إبراهيم الموصلي صوتًا لسياط. فقال له ابنه: لمن هذا. فقال: هذا والله لمن لو عاش ما وجد أبوك الخبز. وكان في صوت إبراهيم انقطاع. وجدت لسياط أربعة وعشرين صوتًا منها: وكأن من زهر الخزامي والندى ... والأقحوان عليه ريطة معرسِ فإذا يريم ذبابة أصغى لها ... يومًا بسمعٍ خائفٍ متوجسِ ثقيل الأول زيد الأنصاري مدني وهو الذي يقول فيه وفي أشعب عبد الله بن مصعب الزبيري: إذا تمزمزت صُراحيّة ... كمثل ريح المسك أو أطيب ثم تغنى لي بأهزاجه ... زيد أخو الأنصار أو أشعب زيد أخو الأنصار ذاك الذي ... يعرفه مطرب من يطرب حسبت أني ملكٌ جالس ... حفّت الأملاك والموكب وما أبالي واله الهوى ... أشرّق العالم أم غرّبوا وجدت له سبعة أصوات منها: يا شبيه الغزال رد فؤادي ... وارث للعاشق الطويل السهاد أشعب أبو العلاء بي جبير مدني مولى لعبد الله بن الزبير وأمه حمدة مولاة لأسماء ابنة أبي بكر كانت تغري بين أزواج النبي ﵇ وكانت بغت فحلقت وضربت وطيف بها على جمل تنادي من رآني فلا يزنين. فأشرفت عليها امرأة فقالت يا فاعله نهانا الله فلسنا ندعه وتريدين أن ندعه بقولك وأنت محلوقة مجلودة يطاف بك. وكان أشعب نشأ في حجر عائشة بنت عثمان وكان مصعب بن الزبير قتل جبيرًا لخروجه مع المختار أبي عبيد. فقال أشعب: نشأت أنا وأبو الزياد في حجر عائشة بنت عثمان فلم يزل يعلوا وأسفُل حتى بلغنا هذه المنزلة وأسلمتني في البزّ. فسألتني بعد سنة: أين بلغت. فقلت: قد تعلمت نصف العمل وبقي نصفه. قالت: وكيف. قلت: قد تعلّمت النشر وبقي الطي. فخرج أشعب ظريفًا منددًا وكان من أطمع الناس. فقيل له: ما بلغ من طمعك. قال: أرى دخان جاري فأثرد أنا وما سارّ إنسان إنسانًا إلا ظننته يهب لي شيئًا. وقالت صديقة لي يومًا: يا أشعب هب لي خاتمك أذكرك به. قلت: اذكريني بالمنع. وساوم بقوس بندق. فقال صاحبها: بدينار. فقال: والله لو كانت إذا رميت عنها طايرًا خرّ مشويًا بين رغيفين حواري لم أشترها بدينار. ثم نسك أشعب وعرى. فقيل له: قد لقيت الفقهاء فلو تحدّثت. قال: نعم حدّثني عكرمة قال: خُلّتان لا تجتمعان في مؤمن، نسي عكرمة واحدة ونسيت الأخرى. قال أشعب: كنت يوم قتل عثمان غلامًا أسقي الناس الماء وبقي إلى أن أتى به الربيع في خلافة المهدي. وجدت له أصواتًا منها: ألا ناد جيراننا نقصد ... نقضّ اللبانة أو نعهد كأن على كبدي جمرة ... حذارًا من البين ما تبرد محمد بن الأبجر وجدت له هذا الصوت: وفي الحي من يهوى هوانا ويلتهي ... وآخر قد أبدا الكآبة مغضب ونحن أناس عودنا عود نبعة ... إذا نسب الحيَّان بكر وتغلب محمد بن الصامة مدني ليثي. وكان بارد المجلس. فغنى في مجلس فيه محموم فقال المحموم: دعنا نعرق. وبعث رجل غلامه إلى السوق فقال: اشترِ لي خمسة أرطال ثلج. فلقي ابن الصامة فأدخله على مولاه. فقال: طلبت خمسة أرطال وهذا حمل. وكان موسى بن الصامة والصامة أبوه وأمه فرعة مغنيان. وكان أهل المدينة يسمّونه بين دفتي المصحف. وجدت له في كتاب اسحق ودنانير ثلاثة أصوات منها: قد تمنى معشر في دراهم ... من عقار وسوام وذهب وتمنيت سليمى أنها ... بنت عمر من لها ميم العرب خفيف ثقيل الأول للفضل بن عتبة. الطبقة الرابعة من المغنين ثم كانت الطبقة الرابعة. صباح الخيَّاط وجدت له ثمانية أصوات منها الصوت:

1 / 5