اللائق إلى صفة المحدث المخلوق، ففي هذا ما فيه، وكذلك إن سألوا فقالوا: ما أنكرتم أن يكون الله عز وجل قد زاد في أبصاركم قوة فتدركونه بها؟ قلنا: لا تخلو هذه القوة الزائدة من أن تكون تخرج بالأبصار عن معناها، وتحولها عن صفتها، فتكون إذ ذاك ليست أبصارا، فتصير على وجه الحواس الأخرى، وعلى غير ذلك من الأشياء، فإذا كانت على وجه الحواس الأخرى كانت الأبصار منقولة محولة عن جهة الدرك للألوان، والمشاهدة للأشخاص، وصارت بجهة الدرك للروائح، والملامس والاستذواق، والأصوات، وبطل الوصف عنها حينئذ بأنها ترى وتبصر، أو تكون هذه القوة التي تزاد في الأبصار ليست مما يخرجها عن معناها، ولكنها زيادة في قوة الناظر، فإذا كان هذا على هذا الوجه فليس في هذا ما يوجب لها أن تكون تدرك ما ليس بلون، أو ترى ما ليس بشخص، وإنما هذا مما يوجب للأبصار أن تكون تدرك من الألوان الخفيفة، والأشخاص الضئيلة، والأشياء البعيدة المسافة ما لم تكن تدركه قبل زيادة القوة، ألا ترون أن الأسد إنما كان يرى في جوف ظلمة الليل ما لم يكن يراه ما سواه من الحيوان لشدة بصره، ولقوة ناظره، فإذا اشتد البصر، وقوي الناظر زاد في الدرك للألوان، والرؤية للأشخاص، كما أنه إذا ضعف الناظر ضعف الدرك للأشخاص، والتمييز للألوان، فلا يدرك صاحبه إلا ما جل من ذلك دون ما دق، على قدر ضعف البصر وقوته، إلى أن يذهب جميعه، فلا يكون البصر عند ذلك يدرك لونا، ولا يرى شخصا، كما أن النار إذا قويت قوي إحراقها وتمييزها، وليس في زيادة قوتها ما يخرجها عن معنى الإحراق والتمييز، وكذلك الثلج كلما تقوى أو كثر قوي تبريده للأشياء، وتجميده إياها، ولا تخرجه قوته عن صفته ومعناه.
Halaman 181