أتحملون هذا كله على الظاهر دون السائغ من الكلام، وعلى المعقول من الخطاب دون المفهوم؟ فإن قالوا: نعم، قلنا: فهم إذن صم لا أسماع لهم يسمعون بها ما يخاطبون به، وعمي لا أنظار لهم يبصرون بها ما يدلون عليه، ولا عقول لهم يعقلون بها ما يكلفون به، وبكم لا ألسنة لهم فينطقون بما يلزمهم، فينبغي على هذا المعنى أن يكون الله عز وجل خاطب من لا يسمع ولا يبصر، وذمه بأنه لا يسمع ولا يبصر، وكلف من لا يفهم التكليف ولا يحتمله ولا يعقله، فهذا فعل العابث السفيه، ومن القول الذي لا يقول به أحد من الناس: عالم ولا جاهل، تعالى الله عن ذلك، مع أن الله عز وجل قد قال أيضا: {وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء} (¬1) ، فأي هذين الخبرين أولى بأن تأخذوا، وتحملوا عليه مراد مثل هذا الكلام؟ فإن رجعوا وقالوا: إن العرب قد تسمي المتعامي أعمى، والمتصامي أصم، ويقولون لمن عمل عمل من لا يعقل لا يعقل، وإنما هذا الكلام محمول على كلام؛ وذلك أن المتعامي إذا تعامى صار في الجهل كالأعمى، فلما أشبهه من وجه سمي باسمه، قلنا: قد صدقتم، ولكن ما الأصل المستعمل في تسميتهم بالعمى؟ فإن قالوا: هو الذي لا نظر له، قلنا: فلم زعمتم أن لهذا الذي سماه الله أعمى ناظرا، وأخذتهم بالمجاز والتشبيه، وتركتم الأصل الذي هو هذا الاسم مطلق له؟ قالوا: إنما قلنا ذلك من أجل أن الأول لا يجوز على الله، والثاني جائز عليه، والله لا يتكلم بكلام إلا ولذلك الكلام وجه، قالوا: فإذا نظرنا في كلام الله وهو عندنا عدل غير جائز، وهو يقول: {صم بكم عمي فهم لا يعقلون} (¬2)
¬__________
(¬1) سورة الأحقاف آية رقم 26.
(¬2) سورة البقرة آية رقم 171..
Halaman 122