من بعد البطريرك توادوريطس المار ذكره في تاريخ القرن الثامن قام على الكرسي الأنطاكي أيوب، واستمر فيه إلى سنة 842 وخلفه كريستوف وبقي إلى سنة 847، وخلفه نيقولاوس وقد نفي فلم يقم بطريرك مكانه إلى سنة 869، حين أقيم توادوسبوس، واستمر على البطريركية إلى سنة 891، وخلفه أوسطاتيوس وتوفي سنة 903.
وأما في أورشليم فبعد وفاة جيورجيوس سنة 808 اختير توما، فدبر الكرسي الأورشليمي تدبيرا صالحا إلى سنة 829، وخلفه باسيليوس، ويظهر أنه استمر بطريركا إلى سنة 843، وخلفه سرجيوس وتوفي على الراجح سنة 858، وخلفه سلمون أو سليمان وربما كانت وفاته سنة 864، وخلفه توادوسيوس، ويظهر أنه توفي سنة 879 وخلفه إيليا تلك السنة وبقي يدبر البطريركية إلى سنة 907 ومن شاء أكثر تفصيل في تاريخ هؤلاء البطاركة فليطالع تاريخنا الكبير. (2) في من عرفناهم من أساقفة سورية في هذا القرن
إن تواريخ هذه القرون الوسطى في المشرق سقيمة لكثرة الاضطرابات فيه، فندر ما عرفناه عن أساقفة سورية وعلمائها، وجل من عرفناهم أغابيوس نقل من كرسي سلوقية إلى كرسي حلب في أيام الملك باسيليوس نحو سنة 865، ثم توما أسقف بيروت جعله فوتيوس في المجمع الذي عقده سنة 879 نائبا عن بطريرك أنطاكية، ثم قال: إنه نقل بعد ذلك إلى أسقفية صور، وذكر فوتيوس أيضا أسقفا لصور اسمه فوتيوس عازيا إليه كتابا في المجامع، وذكر المنسنيور شابو في الفصول التي نشرها في مجلة المشرق المسيحي نقلا عن كتاب قديم سرياني يعزا إلى ميخائيل الكبير بطريرك اليعاقبة أسماء كثيرين من أساقفة اليعاقبة في حلب وحمص وبعلبك، ودمشق من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر، ولكن ليس هناك إلا أسماؤهم مجردة فضربنا عن ذكرهم.
وأهم من نعرفهم من هؤلاء ديوانيسيوس بطريرك اليعاقبة، فهذا اتخذ السيرة الرهبانية في دير قنسرين، ثم انتقل إلى دير القديس يعقوب في كيشوم بين حلب والرها، ولما اجتمع أساقفة اليعاقبة؛ لينتخبوا بطريركا خلفا لقوريتس بطريركهم سنة 817 وقع انتخابهم عليه، وقد ألف تاريخا ابتدأ فيه من خلق العالم إلى آخر أيامه، وله نسختان تتداولهما أيدي السريان: إحداهما مطولة سلك بها مسلك أوسابيوس القيصري في تاريخه، والثانية موجزة حذا فيها حذو أوسابيوس المذكور في الكرونيكون، فيذكر السنين ويدون ما كان فيها بإيجاز، وقد كتب هذ الكتاب قبل أن يصير بطريركا ومن آرائه في هذا الكتاب أن مولد المخلص كان سنة 5200 لخلق آدم، وقد خطأه السمعاني في مسائل كثيرة من تاريخه، وتاريخه المطول ينتهي في سنة 844.
الفصل السابع
في تاريخ سورية الديني في القرن العاشر
(1) في الخلفاء العباسيين الذين تولوا سورية في هذا القرن
ذكرنا أن المعتضد بالله توفي في سنة 902، فبويع ابنه بالخلافة ولقب بالمكتفي بالله، وقهر القرامطة كما مر في عدد 140، وتوفي سنة 908 بعد أن عهد بالأمر إلى أخيه جعفر، ولقب بالمقتدر بالله وكان عمره ثلاث عشرة سنة، فاجتمع القضاة والقواد والوزير فخلعوه سنة 909، وبايعوا عبد الله بن المعتز ولقب بالمرتضي بالله، فكانت حرب بين مريدي المقتدر ومريدي المرتضي انهزم بها المرتضي وحبس وتوفي بالحبس، وعاد المقتدر إلى الخلافة وفي أيامه نشأت دولة العلويين نسبة إلى علي بن أبي طالب، والفاطميين نسبة إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول زوجة علي، وأول خليفة منهم كان اسمه عبيد الله ولقب بالمهدي، وفي سنة 926 خلع القواد والجنود المقتدر، واعتقلوه وبايعوا أخاه محمد بن المعتضد ولقبوه القاهر بالله، ثم حضر فريق من العسكر ووثبوا على القاهرة، فهرب واختفى وحملوا المقتدر على رقباهم وأدخلوه دار الخلافة، واستمر على الولاية إلى سنة 933 حين قتل في حرب مع مونس الخادم الذي كان قد استولى على الموصل.
وبعد مقتل المقتدر عاد القاهر إلى الولاية وقتل مونس الخادم وغيره، فثار عليه بعض القواد وابن مقلة الذي كان قد عزله من الوزارة، وأحدقوا بداره وحبسوه ثم سملوا عينيه سنة 935، وأخرجوا أحمد بن المقتدر من الحبس، وبايعوه بالخلافة ولقبوه بالراضي بالله، وتغلب في أيامه عمال الأطراف عليها ولم يبق للخليفة إلا بغداد وأعمالها إلى أن توفي الراضي سنة 941، وأمست الخلافة بعده لتدبير أمور الدين غالبا، واتفق أكابر الدولة فبايعوا إبراهيم بن المقتدر، واختار لقب المتقي لله، وقبض عليه توردن الذي كان قد جعله أمير الأمراء، وسمل عينيه سنة 944 وأقاموا مكانه عبد الله بن المكتفي ولقب المستكفي بالله، ثم كاد عليه معز الدولة بن بويه أمير الأمراء، فاعتقله وبويع الفضل بن المقتدر بالله سنة 446 وسمي المطيع لله، ولكن لم يبق بيده غير ما أقطعه له معز الدولة مما يقوم ببعض حاجاته، وطالت خلافته إلى سنة 974، فاعتراه فالج فخلع نفسه من الخلافة وسلمها إلى ولده عبد الكريم ولقب الطائع لله، وفي سنة 990 كانت وحشة بينه وبين أخيه أفضت إلى خلعه سنة 992 وتولية أخيه أحمد الذي سمي القادر بالله، واستمر على سرير الخلافة إلى سنة 1032. (2) فيما نعرفه من الأحداث بسورية في أيام هؤلاء الخلفاء
في سنة 904 أرسل المكتفي جيشه على القرامطة المار ذكرهم، فهزمهم في وقعة في نواحي حماة وقتل منهم خلقا كثيرا، وأمسك رئيسهم فقتله المكتفي وطيف برأسه في أسواق بغداد، وفي سنة 905 جهز المكتفي جيشا، فاستولى على دمشق فهزم هارون بن خمارويه بن طولون وقتله بمصر، وأمسك أسرته بني طولون وأرسلهم إلى بغداد كما مر، وفي سنة 906 غزا الروم إلى جهات حلب، وقتلوا كثيرين من أهلها ودخل الروم المدينة وأحرقوا جامعها، وأخذوا من بقي فيها.
Halaman tidak diketahui