كوارتوس أسقف بيروت، جاء في كتاب نشره البولانديون في ترجمتي الرسولين بطرس وبولس أن بطرس بعد أن أخرجه الملك من السجن سار إلى بيروت، وأقام فيها أحد رفقائه أسقفا، وقال مؤلف الكتاب المعزو إلى دوروتاوس وإيبوليطوس إن هذا الأسقف كان اسمه كوارتوس، وهو من الاثنين والسبعين وذكره الرسول في رسالته إلى الرومانيين (ف16 عدد 23) بقوله: «يسلم عليكم كوارتوس الأخ.»
وروى لاكويان في المشرق المسيحي (مجلد 3 صفحة 821) أن بطرس الرسول اجتاز بأطرابلس وهو ماض إلى أنطاكية، فأقام فيها أسقفا واثني عشر كاهنا، وكان اسم هذا الأسقف ماروتس، وكان زكي أول أسقف على قيصرية فلسطين اختاره بطرس، ثم خلفه توافيلوس من أنطاكية، ثم كرنيليوس ذكره مؤلف الكتاب سورية المقدسة، وقال: إن لوقيوس كان أول أسقف على اللاذقية وذكره الرسول في رسالته إلى الرومانيين (ف16 عدد 21)، وذكر لاكويان في المشرق المسيحي دوسيتاوس أول أسقف على السويدية، وكان تريتاس معلم الناموس أسقفا على اللد وفيليمن تلميذ بولس أسقفا على غزة، وقيل: إن الرسول أقامه أسقفا على كولوسايس.
الفصل الثالث
في تاريخ سورية الدنيوي فى القرن الثاني
(1) في بعض أحداث بسورية في أيام ترايان
إن ترايان خلف نرفا سنة 98، وكانت بعض مدن سورية قد بقي لها نوع من الاستقلال منها دمشق وبصرى بحوران وعمان وحجر (بترا) ببلاد العرب التي كانت عاصمة النبطيين، وكانت سلطتهم تمتد إلى دمشق، وكانت هذه البلاد مستوعرة يكثر بها السلب وقطع الطرق، فأرسل ترايان كرنيلوس بلما قائد جيشه سنة 105، فأمنها وجعلها إقليما رومانيا وجعل بصرى مقرا لفيلق من الجنود، فرقى أهل البلاد في مدارج الحضارة وزينوا مدنهم بآثار تدهش أطلالها الجوالة الآن.
وبعد أن قهر طيطوس اليهود هاجر جم غفير منهم إلى شرقي الأردن، الذي كان يليه حينئذ ملوك النبطيين وولاة دمشق وبعلبك وتدمر، حيث كشف دي فوكواي خطوطا آرامية دالة على ذلك، وهاجر قوم من العرب الحميريين، فأقاموا بحوران والبلقاء ورغبوا في الحراثة والتجارة، فعمرت هذه البلاد وأيسر أهلها ... وعثر ودنيكتون على خطوط يونانية مؤذنة بأن كرنيلوس بلما المذكور جر الماء إلى الكرك، وإلى السويدية بحوران.
وروى أوسابيوس (ك2 من تاريخه ف2) أن اليهود هاجوا بقبرس ومصر والقيروان، وقتلوا ألوفا من اليونان والوثنيين وارتكبوا فظائع وقسوة بربرية، فلم يتحمل ترايان هذه الفظائع، فأثخن قادة جيشه والقبرسيون باليهود في جزيرتهم وقتلوا كل من وقع بيدهم منها، وحظروا على كل يهودي الدخول إلى الجزيرة، وقتل الإسكندريون كل من وجد في مدينتهم من اليهود، وأرسل ترايان مرسيوس بجيش إلى مصر فأهلك منهم جما غفيرا، وقتل كثيرون من النصارى أيضا، قتلهم إما اليهود لبغضهم لهم وإما الوثنيون؛ لأنهم لم يميزوهم عن اليهود، وكان في سنة 115 زلزال أخرب أكثر أبنية أنطاكية وهلك تحت الردم خلق كثير، وكاد ترايان نفسه يهلك معهم لأنه كان يومئذ بأنطاكية. (2) بعض ما كان بسورية في أيام أدريان
خلف أدريان ترايان سنة 117، وأقام في المشرق من سنة 122 إلى سنة 125 وعاد إليه أيضا سنة 129، ونظم فيه أمورا كثيرة وله فيه آثار وافرة، منها وأهمها شروعه في بناء هيكل الشمس ببعلبك، وقد أكمله خلفاؤه أنطونينوس بيوس وسبتيموس ساويروس، فأحدث هؤلاء الملوك ببعلبك الهياكل والأروقة، وأما الصخور الضخمة والأسس فالأولى أن تنسب إلى الآراميين والفونيقيين، ولا شك في أنه كان هناك معبد لإله مصري قبل أيام الرومانيين، وقد مضى أدريان إلى تدمر سنة 130، وعثر دي فوكواي وودنيكتون هناك على خطوط دالة على ذلك وصحبه فرقة من الجنود العملة، وروى كثيرون من الجوالة أن في الطريق من دمشق إلى تدمر، ومن تدمر إلى الفرات أطلال اثنين وأربعين حصنا يبعد كل منها عن الآخر مسافة ثلاث ساعات، ويترجح أن أدريان أنشأها ولا يبعد أنه أحدث شيئا في أبنية تدمر التي جعل أهلها جالية رومانية، ووجد في بعض الآثار أن هذه المدينة تسمى أرديانيل نسبة إليه، وعثر ودنيسون على خط قرب باب مدينة جبيل مؤذن بأن أدريان أصلح هذا الباب، وقال رنان (بعثة فونيقي صفحة 214): إن أدريان جدد بناء هذه المدينة؛ ولذلك لم يجد من آثارها الكنعانية إلا بعض المدافن، ووجد في دمشق سكة كتب عليها: «إلى الإله أدريان» تملقا له، وقد عني بتمهيد الطريق المؤدية من دمشق إلى بترا ورصف جنوده محلات كثيرة منها تشاهد آثارها حتى الآن في صحراء موآب، وجعل بصرى عاصمة حوران محطة لتجارة كبيرة تأتي إلى دمشق بتمر الحجار وطيوب اليمن، وتجلب للعربية الحبوب والزبيب من وادي الأردن والسلع من آسيا.
وكانت فرقة من الفيلق العاشر حالة بأورشليم أشغلها أدريان بتمهيد أخربة الهيكل، وبنى هناك هيكلا للمشتري وأسكن جالية رومانية في مدينة صهيون، وسمى أورشليم إليا كابيتولينا نسبة إليه؛ لأن اسمه إليوس والي هيكل المشتري برومة، وقيل: إن أدريان حظر على اليهود أن يختنوا أولادهم، فهاجوا وماجوا وحملوا السلاح وقام بينهم رجل اسمه بركوكبا حسبوه المسيح المنتظر، وقالوا: هذا هو الكوكب الذي يشرق من يعقوب، واعتدوا حتى على الجنود الرومانيين، فلم يحفل الرومانيون بثورتهم أولا فتمادوا بشرهم فهب إليهم أولا والي اليهودية، فقتل منهم كثيرين، ثم أرسل أدريان عليهم يوليوس ساويروس فلم يقتحمهم دفعة واحدة، بل أخذ يضرب محلا فمحلا ويضيق عليهم فدمر نحو تسعمائة قرية، وقتل منهم نحو خمسمائة ألف حتى استعظموا مصابهم هذا على مصابهم في حصار طيطوس، وأخذوا منهم كثيرا من الأسرى باعوهم بأبخس الأثمان، وأرسلوا إلى رومة كثيرين فكانوا طعاما للأسود، وكان بركوكبا من جملة القتلى، وحظروا عليهم الدخول إلى أورشليم إلا يوما في السنة؛ لينوحوا على خراب أورشليم، واستمروا على ذلك إلى أيام القديس إيرونيموس، ولا يرخص لهم بذلك ما لم يدفعوا مبلغا من المال، ويظهر أن هذه الأحداث كانت سنة 132.
Halaman tidak diketahui