وعملت إسكندرة بمشورة زوجها، فمال إليها الفريسيون وعظموا دفنة زوجها، وقامت هي تدبر شئون المملكة، وجعلت ابنها هركان رئيس الأحبار وعهدت بتدبير أهم الأمور إلى الفريسيين، فاستطالوا وتحكموا بها وبمن يخاصمهم، ولجأ هؤلاء إلى الملكة لتنقذهم فأقامتهم في القلاع والحصون، ثم مرضت سنة 70ق.م واحتضرت، فانسل ابنها أرسطوبولس إلى القلاع والحصون التي كان فيها أصدقاء أبيه، فأصبح أكثر جنود المملكة طوع يديه، ولما توفيت أخذ ابنها هركان الملك، وناصره الفريسيون وناصر الجنود أرسطوبولس، فاضطر هركان أن يتخلى لأخيه عن الملك ورياسة الأحبار.
ولم يستقر أرسطوبولس على سرير الملك إلا ونشأ في مملكته قلق أحدثه أنتيباس أبو هيرودس، وكان هذا أدوميا أصلا يهوديا مذهبا كغيره من الأدوميين الذين أجبرهم يوحنا هركان أن يتهودوا، وكان من المقربين إلى هركان بن إسكندر، وبذل قصارى جهده برده إلى الملك، ولجأ إلى الحارث ملك العربية الحجرية، فحارب أرسطوبولس فانتصر هذا على ملك العرب، وكان حينئذ قدوم بومبايوس إلى سورية سنة 640ق.م، فأراد أن ينظر في دعوى هركان وأخيه وأتى كثيرون من اليهود يسألون بومبايوس أن يريحهم من كليهما، ولما كان بومبايوس يريد أن يخضع أولا العرب للرومانيين أجل النظر بدعواهما إلى عوده، وبعد إذلاله العرب استدعى أرسطوبولس ليسرع بالمجيء إليه، فأتى لكنه لم ينكف عن الاستعداد لمقاومة بومبايوس، وشعر بومبايوس بذلك فأمره أن يسلم إليه كل ما أعده للقتال، وبذل أرسطوبولس قصارى جهده ليسترضيه واعدا بالخضوع له، وبدفع مبالغ من المال تفاديا من الحرب، فقبل بومبايوس وأوفد كتيبة من الجند لقبض المال من أورشليم، فوصد أهلها الأبواب بوجهه، فقبض بومبايوس على أرسطوبولس، وغلله وزحف بجيشه على المدينة وفتحها وحاصر الهيكل، فلم يتهيأ له فتحه إلا بعد ثلاثة أشهر، ودخل بومبايوس الهيكل ولم يمس خزينته ليظهر نزاهته، وأسر أرسطوبولس وابنيه إسكندر وأنتيكون وابنته وأخذهم إلى رومة، وأقام هركان أخاه على الملك سنة 63ق.م (يوسيفوس ك14 ف2 لي 8).
المقال الثالث
في تاريخ سورية في أيام الرومانيين
في ما كان بسورية إلى ميلاد المخلص
(1) في ما كان باليهودية بعد استيلاء الرومانيين عليها
قد مر أن بومبايس أقام هركان على ملك اليهود، لكنه لم يستقر على منصة الملك إلا وزعزعها إسكندر بن أرسطوبولس أخيه؛ لأنه فر من طريقه إلى رومة وحشد جيشا سنة 57ق.م، وكان هركان ضعيفا لا يقوى على محاربة ابن أخيه، فلجأ إلى الرومانيين، فانتصر كابينيوس قائد جيشهم على إسكندر، وأتى إلى أورشليم وأقر هركان في رياسة الكهنة، وجعل حكومة اليهود جمهورية، وأقام بعض أعيانهم على تدبير شئونهم وقسمها إلى خمس ولايات، وتتبع آثار إسكندر حتى استسلم إليه، ومع ذلك لم تستتب الراحة؛ لأن أرسطوبولس فر من رومة وعاد إلى اليهودية مع ابنه أنتيكون، وانضم إليهما جم غفير، فأرسل كابينيوس جنوده إليه والتحمت الحرب، فأبدى أرسطوبولس ورجاله آيات البسالة والشهامة، ولكن دارت أخيرا الدوائر عليه فقتل من رجاله خمسة آلاف، وفر ألفان وخرق أرسطوبولس صفوف الأعداء بمن بقي معه، وبلغ إلى ماكرون وهم أن يتحصن فيها فباغته الرومانيون فدافع عن نفسه يومين بشجاعة تزري بشجاعة الأسود ... إلى أن انتصر الجيش الكثيف عليه، فقبضوا عليه وأرسلوه إلى رومة مع ابنه أنتيكون، ورد رجال الندوة أولاد أرسطوبولس إلى اليهودية لوعد كابينيوس لأمهم أن يستردوهم مكافأة لها على تسليمها بعض الحصون إليهم، وكان ذلك سنة 54ق.م.
على أن إسكندر بن أرسطوبولس لم يلزم السكينة بعد عوده، وحشد جيشا في مدة غياب كابينيوس بمصر وقتل كل من وقع بيده من الرومانيين، فعاد كابينيوس واستمال بعض اليهود، ولكن بقي مع إسكندر ثلاثون ألفا صمموا أن يقاتلوا الرومانيين، فقتل منهم عشرة آلاف، وفر إسكندر وجاء كابينيوس إلى أورشليم يدبر أمور اليهود، واستدعت الندوة كابينيوس من اليهودية وأقامت كراسوس على سورية، وأتى أورشليم فانتهب كل ما وجد في الهيكل وحارب من حازبوا أرسطوبولس وابنه إسكندر، وأخذ منهم ثلاثين ألف أسير سنة 53ق.م.
ولما استحوذ قيصر على رومة سنة 49، وفر بمبايوس وأكثر رجال الندوة من وجهه أطلق أرسطوبولس إلى سورية، ولكن قتله محازبو بمبايوس وقتل شيبون إسكندر بن أرسطوبولس بأنطاكية، ولما غزا قيصر مصر سنة 47 مطاردا بومبايوس أنجده أنتيباس أبو هيرودس من قبل هركان بجيش جمعه من العرب واليهود ولبنان، فكان لأنتيباس منزلة عليا عند قيصر، وأتى قيصر بعد ذلك إلى سورية، فأمر أن يستمر هركان على رياسة الكهنة وولايته على اليهود هو وذريته من بعده، وجعل أنتيباس مدبرا لليهودية بإمرة هركان، وأقام أنتيباس ابنه فازئيل واليا في أورشليم وابنه هيرودس واليا في الجليل سنة 44ق.م.
وفي سنة 40ق.م دخل ملك البرتيين إلى سورية، وأرسل فريقا من جنده إلى اليهودية وأقام على منصة الملك أنتيكون بن أرسطوبولس، وطلب قائد البرتيين هركان وفازئيل بن أنتيباس فقبض عليهما وكبلهما بالحديد وفر هيرودس، فدخلت جنود البرتيين أورشليم فانتهبوها وأجلسوا أنتيكون على سرير الملك، وسلموا إليه هركان وفازئيل فانتحر فازئيل في السجن واستبقوا هركان حيا، ولكن صلم أنتيكون أذنيه؛ كيلا يبقى أهلا لرياسة الكهنة وسلمه إلى البرتيين فبقي في بلادهم سجينا إلى أن أطلقوه من السجن، وكان يتردد إلى اليهود المقيمين هنالك فأحبوه ثم استدعاه هيرودس إلى أورشليم، وقتله (يوسيفوس ك14 فصل 10).
Halaman tidak diketahui