وعاد بجيشه من مصر لملاحقة دارا، والاستيلاء على الجانب الشرقي من مملكة الفرس، ولدن مروره بصور بلغه خبر ثورة السامريين على العامل الذي أقامه بسورية، فضربهم وأبسل كل من اشترك في هذه الثورة، وطرد الباقين من السامرة، وأقام مكانهم جالية مكدونية، ثم سار في سهول البقاع وبعلبك إلى الفرات ودجلة، فعبرها وراسله دارا بالصلح مرتين فلم يصغ له، والتقى الجيشان في أربيل وكان عسكر دارا لا أقل من ستمائة ألف راجل وأربعين ألف فارس، وكان عسكر إسكندر لا يزيد على أربعين ألف راجل ونحو ثمانية آلاف فارس، فتسعرت نار الحرب في الثاني من تشرين الأول سنة 331ق.م، فدارت الدوائر على دارا وتشتت جحافله بعد أن قتل منهم خلق لا يحصى، وفر دارا تاركا سلاحه وخزائنه، فانتهب عسكر إسكندر أربيل وسلمت إليه بابل وشوشن وغيرهما، وسار يتعقب دارا في مسافات شاسعة إلى أن بلغه أن باسس أحد ولاة توركستات قبض على دارا، وغلله وأخذه في طريق بلاده، فهب إسكندر للحاقه فقتل باسس دارا ووجده إسكندر صريعا مخضبا بدمائه، فحنط جثته وسيرها بإجلال إلى والدته؛ لتدفنها على عادة ملوك الفرس، وانقرضت بدارا هذا مملكة الفرس سنة 330ق.م.
ثم حمل إسكندر على الهند وتوغل فيها، وكان من عزمه أن يتصل إلى المحيط الشرقي، ثم يعود فيستولي على قارة إفريقية، لكن جنوده نهكتهم المشاق والجهاد، وأهالتهم العواصف والأمطار مدة سبعين يوما، فأكرهوه على العود إلى بابل فتزوج بابنة دارا وتزوج حاشيته وكثير من جنوده بنساء فارسيات، وفي سنة 323ق.م أتته وفود من جميع أصقاع العالم المعروفة حينئذ، وأكثر من المآرب منهوما بالمآكل والمشارب فأصابته حمى لازمته عشرة أيام وشعر بدنو المنون، فانتزع خاتمه من يده ودفعه إلى برديكاس أحد المقربين إليه، وأمره أن ينقل جثته إلى هيكل عمون في مصر، وسأله أحد كبار أعوانه: «لمن مولاي الملك من بعدك؟» فقال: «لأرشدكم.» وفاضت روحه في 21 نيسان سنة 323ق.م بعد أن ملك اثنتي عشرة سنة، ولم يتيسر نقل جثته إلى مصر إلا بعد سنتين لاختلاف وقع بين أعوانه ولم يتسن لبتولمايس الذي كان حاكما بمصر أخذ جثته إلى هيكل المشتري عمون، فأقام له هيكلا في الإسكندرية، ودفنه فيه فهكذا يزول مجد العالم. (2) في ولاية لاوميدون على سورية وانتزاع بتولمايس لها
بعد موت إسكندر كثر الخلاف بين حاشيته، والعمال الذين كان قد نصبهم في الأقاليم وأفضى إلى حروب هائلة بينهم، واتفقوا على أن يقيموا على منصة الملك أريداي أخا إسكندر، وابنه الذي ولد له بعد وفاته من امرأته ركسبان الفارسية، وسموه إسكندر أكوس، على أنه لم يكن لكلا الملكين إلا اسم ملك، واقتسم وزراء إسكندر وعماله أقاليم المملكة بينهم، وأصاب لاوميدون سورية، ولما اشتدت الحرب بين بعض هؤلاء الولاة رأى بتولمايس والي مصر أن ضم اليهودية وفونيقي وقبرس إلى مملكته في مصر ضربة لازب، فسير نيكانور إلى سورية بجيش برا، وسار هو بأسطول يدوخ مدنها البحرية، فظهر نيكانور على لاوميدون وأخذه أسيرا، وافتتح بتولمايس المدن الساحلية، وأصبحت سورية طوع يديه، وروى يوسيفوس (في تاريخ اليهود ك12 ف1) أن اليهود قاوموا بتولمايس رعاية للأمانة بحق واليهم لاوميدون، فحاصر بتولمايس أورشليم، فلم يتسن له فتحها إلا في يوم سبت عرف أن اليهود لا يأتون فيه عملا، فأخذ منهم أكثر من مائة ألف أسير إلى مصر، ولما تذكر بسالتهم وأمانتهم لواليهم رفق بهم، واختار منهم لخدمته ثلاثين ألف رجل وأطلق الباقين.
فاستاء ولاة باقي الأقاليم من زيادة بتولمايس سورية على أملاكه بمصر، ففي سنة 314 حشد أنتيكون والي بمفيلية ذقريجية في آسيا الصغرى جيشا كبيرا سار به إلى سورية، واستحاط بتولمايس بتقوية الحامية في مدن سورية، فلقي أنتيكون مر العناء في فتح صور ويافا وغزة، ولم يفتح صور إلا بعد حصارها خمسة عشر شهرا، وجد في اصطناع سفن في جبيل وطرابلس حتى بنى في سنة واحدة أسطولا كبيرا، واستأتى سفنا أخرى من قبرس ورودس المحالفتين له، واضطر أن يعود إلى آسيا الصغرى، وترك على حصار صور ابنه ديمتريوس فضيق على الصوريين فاستسلموا إليه، وطلب الجنود الذين أقامهم بتولمايس بها الأمان؛ ليخرجوا منها بأسلحتهم ومتاعهم فأجابهم ديمتريوس إليه، وسار بجيشه إلى غزة، فكانت وقعة ارتعدت لها الفرائص، وانجلى القتال عن خمسة آلاف قتيل وثمانية آلاف أسير من جيش ديمتريوس وأخذت خيله وماله وأمتعته، ورد عليه بتولمايس خيله وخيامه وأثقاله، وعاد ديمتريوس إلى طرابلس، على أن انكساره لم يوهن عزيمته بل أخذ يحشد جنودا، ويحصن مدنا وسير بتولمايس شيل أحد قادة جيشه؛ ليتتبع آثار ديمتريوس، وأدركه بجهات طرابلس، وانتشبت الحرب بينهما فاستظهر ديمتريوس، وشتت عسكر شيل وأخذه أسيرا مع ستة آلاف من جنوده وغنم أثقاله، وبلغ أنتيكون خبر انتصار ابنه فأسرع إلى سورية، ورأى بتولمايس أن ليس في مقدوره أن يحارب أنتيكون فآثر العود إلى مصر على القتال، وهدم قلاع عكا ويافا والسامرة وغزة، وأصبحت سورية سنة 311 في ولاية أنتيكون، واستمرت قبرس في يد بتولمايس. (3) أخذ قبرس من بتولمايس واسترداده بعض سورية
قد أمر أنتيكون ديمتريوس ابنه أن يسير بأسطول إلى قبرس؛ ليأخذها من بتولمايس فسار إليها، وكانت له حرب شديدة على سلامينا عاصمتها، وكان فيها ميتيلاس أخو بتولمايس، ثم سار بتولمايس نفسه إلى قبرس، فانتصر ديمتريوس عليهما وأكره ميتيلاس أن يستسلم إلى ديمتريوس هو وابن أخيه وجنوده وأهل المدينة، فأطلق ديمتريوس أخا بتولمايس وابنه، وأرسلهما إليه مع أصدقائهما وخدامهما مكافأة لبتولمايس على ما صنعه إلى ديمتريوس بعد حرب غزة برده عليه أصدقاءه وخدامه وخيله وأثقاله، وكان ذلك سنة 306، وسمى حينئذ أنتيكون نفسه ملكا وابنه كذلك، واقتدى به باقي ولاة الأقاليم.
وطمع أنتيكون بأن ينتزع مصر من يد بتلمايس، وكتب إلى ابنه أن يلتقيه من قبرس بجيشه، وجيش هو في سورية جيشا لا يقل عن مائتي ألف، وكان يحسب أن انكسار بتولمايس في قبرس ميسر للظفر به بمصر، فكان غير ما حسب؛ لأنه قد ثارت عواصف أضرت كثيرا بالأسطول الذي أتى به ديمتريوس من قبرس، ودفع عسكر بتولمايس أنتيكون عن الدخول إلى مصر، حتى رأى أنتيكون أنه يستحيل عليه دخول مصر وعازته المؤن، وفشا الوبا في جنوده وكثر فيهم الإباق، فعاد إلى سورية والخجل دثاره والكآبة شعاره، فقوي ساعد بتلمايس وعظم بأسه وشغل ديمتريوس وأبوه أنتيكون بحرب الرودسيين، فانتهز بتولمايس الفرصة وأخذ فونيقي واليهودية وسورية المجوفة، وبقيت صور وصيدا؛ لأن أنتيكون كان قد ترك فيها حامية كبيرة شديدة. (4) في أخذ سلوقس قسما من سورية ووفاته
في سنة 302 تحالف كسندر ملك مكدونية وبتولمايس ملك مصر، ولبسيماك ملك تراسة وسلوقس ملك بابل على أنتيكون وابنه ديمتريوس، فكانت لهم وقعة هائلة في إيبسوس من فريجة كانت الفاصلة؛ لأن أنتيكون وقع صريعا وابنه ديمتريوس انهزم بخمسة آلاف راجل وأربعة آلاف فارس، واقتسم الملوك المتحدة المملكة: فأصاب لبسيماك آسيا الصغرى مضافة إلى تراسة، وأصاب سلوقس شمالي سورية مضافة إلى بابل وما في شرقيها إلى الهند، وأصاب بتولمايس جنوبي سورية من عكا إلى مصر مضافة إلى مصر، وبقي كسندر على مملكته وما يسترده من بلاد اليونان، وسميت مملكة سلوقس مملكة سورية؛ لأنه بنى أنطاكية وأقام بها هو وخلفاؤه وسماها أنطاكية نسبة إلى أبيه أو ابنه أنطيوكس، فكانت عاصمة المشرق أعواما متطاولة في مدة السلوقيين والرومانيين، وبنى سلوقس أيضا سلوقية التي على ضفة دجلة، والتي على ضفة العاصي محل السويدية الآن وبنى أيضا أباميا أو أفاميا على اسم امرأته واللاذقية على اسم أمه لوذيقة، وأما ديمتريوس ابن أنتيكون فبعد أن تغلب عليه الدهر مرات قبل إقبال وإدبار أخذه سلوقس أسيرا سنة 286، وأقامه في مدينة بجوار اللاذقية، فعاش بأسره ثلاث سنين وتوفي سنة 283.
وكانت حرب سنة 281 بين سلوقس ولبسيماك ملك تراسة وآسيا الصغرى، فانتصر سلوقس عليه وقتله وأخذ مملكته وأكسبه هذا الظفر لقب فيكانور (أي: الظافر)، لكنه بعد هذا المجد حالف عليه جيرانوس بن بتولمايس ملك مصر الذي كان فر من وجه أبيه، وقبله سلوقس ناويا أن يجلسه على عرش أبيه، وأصحبه معه في هذه الغزوة، فأبت نفسه الذميمة إلا غمط نعمة المحسن إليه، فقتل سلوقس في مكدونية التي كان قد توجه إليها سنة 280، بعد أن ملك سورية بعد وقعة إيبسوس عشرين سنة. (5) في أنطيوكس الأول والثاني
أنطيوكس الأول هو ابن سلوقس كان أبوه عند مسيره لحرب لبسيماك قد تخلى له عن قسم كبير من مملكته، وبعد مقتله استبد أنطيوكس بالملك، ولقب سوتر: أي المخلص، ومما كان بسورية في أيامه أن صهره زوج أخته ماغاس والي ليبيا استبد في ولايته بعد أن كانت خاضعة لمصر، وحشد جيشا ضرب به إسكندرية واستنجد بحميه أنطيوكس، فأرسل بتولمايس فيلادلفوس ملك مصر جنودا تحتل بعض مدن سورية الخاضعة لأنطيوكس وتنكل ببعضها، فمنع أنطيوكس عن النجدة لصهره وقضى أنطيوكس الأول سنة 261 أو سنة 260.
أما أنطيوكس الثاني فهو ابن أنطيوكس الأول سماه أبوه في حياته ملكا ولقب ثاوس أي: الإله تملقا له، ومما كان في أيامه بسورية أن بتولمايس ملك مصر بنى مدينة على الشاطئ الغربي من البحر الأحمر، وسماها برنيقة وأنشأ كثيرا من السفن وأراد أن يحتكر لمملكته التجارة بالبحر، وكان ذلك للصوريين، فانتشبت حرب لذلك بين أنطيوكس وبتولمايس وطالت مدتها، ووخمت عاقبتها على مملكة سورية؛ لأن اشتغال أنطيوكس بهذه الحرب كان وسيلة لانفصال البرتيين عن مملكة سورية، وإقامتهم أرساس ملكا عليهم، وكذلك عصى تيودت والي بقطريان في تركستان وجعل نفسه ملكا وحذا حذوه غيره من الولاة، حتى لم يبق لأنطيوكس سنة 250 شيء في ما وراء دجلة، فبعث ذلك أنطيوكس على مصالحة بتولمايس، فعقد الصلح بينهما سنة 249 ... وكان من شرائطه أن يطلق أنطيوكس امرأته لاوذيقة ويتزوج ببرنيس بنت بتولمايس، وأن يمنع ابنيه من امرأته الأولى من إرث الملك، ويعهد به إلى البنين الذين تلدهم له برنيس، فطلق أنطيوكس امرأته، وأتى بتولمايس بابنته إلى سلوقية عند مصب العاصي (السويدية)، فزفت برنيس إلى أنطيوكس.
Halaman tidak diketahui