وحاصر ابن هدد الثاني يورام ملك إسرائيل بالسامرة، وضيق عليه فكانت مجاعة عظيمة حتى أكلت بعض النساء أولادهن، فمزق يورام ثيابه وجعل على بدنه مسحا، وأراد قتل أليشاع النبي؛ لتيقنه أنه كان قادرا على إزالة هذا الضيق بصلاته ولم يزله، وأرسل رجلا لقتله فعلم أليشاع بذلك وأخبر به الشيوخ الجالسين معه، وقال: «إذا دخل هذا الرجل فأغلقوا الباب واضغطوه فيه.» وأنبأهم أنه في مثل الساعة يباع مكيال السميذ بمثقال ومكيال الشعير كذلك، وأسمع الرب الآراميين أصوات مراكب وخيل وعسكر جرار، فتوهموا أن ملك إسرائيل استأجر عليهم ملوك الحثيين والمصريين، فهربوا مرتاعين وتركوا كل ما يملكون ثمة، فخرج الشعب وانتهبوا كل ما كان في محلة الآراميين، فتمت نبوة أليشاع ومرض ابن هدد ربما لانخذال جيوشه، وأتى أليشاع دمشق وعرف ابن هدد بقدومه، فأرسل إليه مع وزيره حزائيل هدايا فاخرة؛ ليسأله هل يبرأ الملك؟ فقال له أليشاع: «لن يبرأ.» وأعلم حزائيل أنه سيخلفه وينكل ببني إسرائيل، وعند عوده أخذ دثارا من مخمل وغمسه بالماء، وبسطه على وجه سيده فمات، وخلفه حزائيل وعاد إلى الحرب مع يورام، فجرح يورام في هذه الحرب واضطر أن يرجع إلى قصره في يزرعيل، وبقي ياهو رئيس الجيش، فأرسل أليشاع أحد تلاميذه فمسح ياهو ملكا على إسرائيل، وسار إلى السامرة فالتقاه يورام عند حقل نابوت اليزرعيلي، فرماه ياهو بسهم أصابه بين ذراعيه ونفذ من قلبه، فقال ياهو لأحد أعوانه: خذه واطرحه في حقل نابوت، فإن الرب جعل هذا الحمل عليه وقد ملك يورام اثنتي عشرة سنة. (10)
ياهو: بعد أن قتل يورام أتى إلى يزرعيل، وأمر بطرح إيزابل من طاق قصرها وداستها الخيل، وتركت مدة بلا دفن فأكلت الكلاب لحمها كما أنذر إيليا، ثم أمر أهل السامرة أن يقتلوا جميع أبناء أخاب، وكانوا سبعين ابنا فقتلوهم على آخرهم وأرسلوا إليه رءوسهم، ثم قتل هو جميع الباقين من بيت أخاب وعظمائه ومحازيبه وكهنته إتماما لأمر الرب؛ وجزاء لإدخالهم عبادة البعل في إسرائيل، وجمع في هيكل بعل الذي أنشأه أخاب بالسامرة جميع عباده فضربهم جنوده بحد السيف، ولم يفلت منهم أحد، وكسروا تمثال بعل وهدموا هيكله وجعلوه مرحاضا، على أن ياهو ترك عجلي الذهب اللذين أقامهما ياربعام بن ناباط، فعاقبه الله على ذلك بإثارة حزائيل ملك دمشق الحرب عليه، وجاء في الكتاب (ملوك 4 ف10): «وضربهم حزائيل في جميع تخوم إسرائيل.» وأنبأتنا الآثار الآشورية أن ياهو لجأ إلى سلمناصر؛ ليمده على حزائيل ويظهر من آثار هذا الملك أنه حمل على حزائيل، وحاربه في الجبل الشرقي (أنتيلبنان) وبدد جيوشه بعد أن قتل منها ستة عشر ألفا، وحاصر دمشق وقطع أشجارها، وسار إلى حوران ودمر مدنها وأخذ الجزية من صور وصيدا وياهو ملك إسرائيل، وعلى مسلة نمرود المحفوظة في المتحف البريطاني صورة تمثل سلمناصر تقدم له الجزيات، وقد كتب تحت إحداهما: جزية ياهو بن عمري، ومات ياهو بعد أن ملك في السامرة 28 سنة ودفن فيها. (11)
وخلفه ابنه يواحاز: وملك بالسامرة سبع عشرة سنة، وسلك في طرق ياربعام بن ناباط، فغضب الرب على بني إسرائيل، وأرسل عليهم حزائيل ملك دمشق وابنه المعروف بابن هدد الثالث، فأذلاهم حتى لم يبق لملكهم إلا عشرة آلاف راجل وخمسون فارسا وعشر مركبات، فتاب يواحاز إلى الرب فشفق على بني إسرائيل وأخرجهم من ضيق الآراميين إما بانتصار يواحاز عليهم في بعض المواقع، وإما بانتصار ابنه يواش عليهم كما سيأتي، وقد مات يواحاز بعد أن ملك بالسامرة سبع عشرة نسة. (12)
وخلفه ابنه يواش وملك ست عشرة سنة، وسار في طريق ياربعام بعبادة العجول، وكان على الآراميين في أيامه ابن حزائيل المعروف بابن هدد الثالث وكان واهن القوة جبانا، فانتصر يواش عليه واسترد أكثر المدن التي أخذت من مملكة إسرائيل، وكان أعظم انتصاراته في وقعة أفيق (هي أفيك الآن في الطريق بين دمشق وأورشليم)، وقد حارب يواش أمصيا ملك يهوذا فظفر به وأخذه أسيرا، ثم أطلقه ونهب أورشليم كما مر في الكلام على أمصيا، ثم مات يواش ودفن بالسامرة. (13)
وخلفه ابنه ياربعام الثاني، واستمر على منصة الملك إحدى وأربعين سنة، وسلك مسلك ياربعام، على أن الله قيض له نصرا شفقة على بني إسرائيل، فحارب ملك دمشق وظهر عليه حتى رد تخوم مملكة إسرائيل من مدخل حماة إلى البحر الميت، واسترد بلاد العمونيين والموآبيين وأنقذ بني إسرائيل الساكنين في شرقي الأردن من ولاية ملك دمشق، والذي ساعده على ذلك حملة بنيرار ملك آشور على سورية وإذلاله ملك دمشق، وأخذه الجزية من ياربعام ثم محالفته له ونجدة ياربعام له في حصار دمشق، كما يظهر من آثار الملك الآشوري المذكور، ومات ياربعام ودفن في السامرة. (14)
وخلفه ابنه زكريا ولم يدم ملكه إلا ستة أشهر، وحالف عليه رجل اسمه شلوم بن يابيش فقتله أمام الشعب. (15)
وملك شلوم مكان زكريا الذي قتله، لكنه لم يملك إلا شهرا واحدا وخرج عليه منحيم بن جادي فقتله في السامرة. (16)
وملك منحيم بعد مقتل شلوم، ولما عاد إلى ترصة (بلوزا شرقي السامرة) موطنه أوصد أهلها أبوابها بوجهه، فضربها وأجرى بها من القسوة ما ترتعد منه الفرائص، وأنبأنا الكتاب (ملوك 4 ف15): أن تجلت فلاصر المسمى فول أيضا حمل على سورية في أيام منحيم، فقدم له أموالا ضربها على إسرائيل، وآثار تجلت فلاصر مؤيدة مقال الكتاب، فقد عدد في الصحيفة الثالثة من الصحائف الباقية له أسماء الملوك الذين أخذ منهم الجزية ... فكان في جملتهم رصين ملك دمشق ومنحيم ملك السامرة وحيرام ملك صور، وملك منحيم عشر سنين وتوفي. (17)
وخلفه ابنه فقحيا وملك سنتين وحالف عليه فاقح بن رمليا أحد قادة جيشه، ودخل عليه بخمسين رجا فقتله. (18)
وملك فاقح بعد قتل فقحيا عشرين سنة صانعا السوء، واتفق مع رصين ملك دمشق على أخذ مملكة يهوذا وقسمتها بينهما، فلم يقدرا أن يفتحا أورشليم بل نكلا ببني يهوذا كما مر في الكلام على أحاز، وحالف هوشع على فاقح وقتله وفي آثار تجلت فلاصر أنه هو أمر بقتل فاقح. (19)
Halaman tidak diketahui