وقد رأى المحققون أن هذا هو الأصح؛ لأن ال 292 سنة، ولو أضفنا إليها عمر إبراهيم إذ نزل إلى مصر 75 سنة حتى صار 367 هي غير كافية لانتشار الناس في المعمور؛ وللحضارة التي وجدها إبراهيم في مصر. (2) في إبراهيم
هو ابن تارح ولده في أور الكلدانيين، وهو على الأظهر المحل المعروف الآن بالمغاور، وسماه بعضهم أم قير في وسط الطريق بين بابل ومصب الفرات، وكان مولد إبراهيم على الأرجح سنة 2220، وظعن أبوه به وبسائر عياله إلى حران وموقعها إلى الجنوب من أرفه على بعد ثماني ساعات، فأقام بها مدة، ثم ارتحل إبراهيم فرارا من بعض قومه الذين عبدوا الوثن، ولأمر الله له أن يخرج من بينهم، ويسير إلى أرض الكنعانيين، والأظهر والأنسب لحل بعض المشاكل أن شخوصه إلى أرض كنعان كان في سنة 2145ق.م، وروى يوسيفوس اليهودي أن إبراهيم بلغ دمشق أولا وولي أمرها، ثم زايلها وأتى إلى شخيم وهي نابلس الآن، ثم نصب مضاربه بين بيت إيل (في شمالي أورشليم)، ثم أمعن في أرض الكنعانيين جنوبا متنقلا، وكانت مجاعة هناك ألجأته أن ينحدر إلى مصر ومعه سارة امرأته، فأحبها فرعون وأدخلها بيته فضربه الله ضربات، فلم يدن منها، واستدعى إبراهيم وردها إليه ووهبه هدايا كثيرة، وعاد إبراهيم من مصر بعد نحو سنة ومعه ابن خياط وتوفرت قطعانهما، وكان خصام بين رعاتها دعا إلى انفصالهما، فاختار لوط السهول التي على ضفات نهر الأردن والبحر الميت حيث سدوم، وضرب إبراهيم خيامه في وطأ ممرا حذاء حبرون وهي الخليل.
وكان كدرلاعومر ملك عيلام قد تولى على سكان وادي الأردن، ثم عصوه فجيش عليهم مع بعض أحلافه، فخرج عليهم خمسة ملوك من تلك البلاد، فانتصر عليهم ملك عيلام، وأخذ منهم أسرى كان بينهم لوط، ولما علم إبراهيم ذلك جرد حشمه وعبيده وأحلافه، واتبع ملك عيلام وأحلافه فكسرهم، واسترجع لوطا ابن أخيه وجميع ما نهبوه.
وبعد أن أقام إبراهيم في أرض كنعان عشر سنين، ويئست سارة من أن تلد له ولدا، سألته أن يتزوج بهاجر أمتها التي يظن أن فرعون هداها إليها، فولدت هاجر ابنا سمته إسماعيل، ثم تجلى الله لإبراهيم ووعده بأن سارة تلد له ابنا فاستغرب أن يولد له ولد وهو ابن مائة سنة، وأن سارة تلد وعمرها تسعون سنة، ثم ظهر له ثلاثة ملائكة حققوا له أنهم سيعودون في السنة المقبلة ولسارة ابن، وسمعت هي وضحكت فلامها الملائكة لعدم إيمانها بقدرة الله، ثم حبلت وولدت إسحق، ومعناه ضحك، يشار به إلى ضحكها، وكان في هذه الأثناء أمر الله لإبراهيم بالختان واحتراق سدوم وعمورة.
وخرج إسماعيل من بيت أبيه إبراهيم وشب بين قبيلة جرهم وزوجوه امرأة منهم، وذكر الكتاب (تكوين 25 عدد 13) له اثني عشر ابنا وابنة اسمها بسمة، تزوجها عيسو ابن عمها إسحق، وامتحن الله إبراهيم بأن يذبح ابنه إسحق، فلم يبطئ بالإجابة فافتداه الله بكبش، وكرر وعوده لإبراهيم بأن يكون أبا لأمم كثيرة، وماتت سارة فابتاع المغارة المضاعفة من عفرون الحثي، ودفنها فيها وهذه المغارة قائمة الآن في جامع الخليل، وأرسل إلعازر الدمشقي قيم بيته إلى ما بين النهرين ليأتي بزوجة لابنه إسحق، فتوجه ووفقه الله إلى أن يأتي برفقة بنت بتوئيل بن ناحور أخي إبراهيم، وتزوج إبراهيم بعد وفاة سارة بامرأة اسمها قطورة، وقد يمكن أن تكون سرية له جعلها امرأة بيته بعد موت سارة وولد منها ستة أبناء، فكانوا أصلا لستة بطون من العرب منهم المدينيون، وتوفي إبراهيم وعمره 175 سنة، ودفنه ابنه إسحق في المغارة المضاعفة (تكوين 25 عدد 7). (3) في إسحق ويعقوب وأولادهما
تزوج إسحق وعمره أربعون سنة، ومضت تسع عشرة سنة ولم يرزق ولدا، فضرع إلى الله فحملت رفقة وولدت توءمين عيسو ويعقوب، ومعلوم ما كان بينهما من اختلاس يعقوب بكرية أخيه الذي تخلى عنها بطبخ عدس، وحقد عيسو على يعقوب وإضمار السوء له، وعرفت رفقة فأوعزت إلى يعقوب أن يهرب إلى لابان أخيها وزينت إلى إسحق بأن قالت له: سئمت نفسي الحياة من أجل ابنتي حث اللتين تزوج بهما عيسو، فإن تزوج يعقوب من الحثيين أو بنات سائر هذه الأرض فما لي والحياة ... فمضى يعقوب إلى حاران هربا من وجه أخيه؛ ورغبة في أن يتزوج بامرأة من بنات خاله، وبقي إسحق حيا إلى أن عاد ابنه من حاران بعد أن أقام ثمة عشرين سنة، وتوفي إسحق وعمره مائة وثمانون سنة، ودفن في المغارة المضاعفة.
ولما بلغ يعقوب إلى خاله لابان أحب ابنته راحيل، وخدم أباها سبع سنين، فزف إليه أختها لية الكبرى محتجا بأن العادة في بلادهم أن لا تتزوج الصغرى قبل الكبرى، وخدمه سبع سنين أخرى فأزوجه براحيل ووهب ابنته لية أمة اسمها زلفة وابنته راحيل أمة اسمها بلهة، وولد ليعقوب من لية وراحيل وأمتيهما اثنا عشر ابنا ... وهم راوبين وشمعون ولاوي ويهوذا وإيساكر وزابلون من لية، ويوسف وبنيامين من راحيل، ودان ونفتالي من بلهة أمة راحيل، وجاد وأشير من زلفة أمة لية، وأيسر يعقوب كثيرا فقام بقومه وماشيته عائدا إلى أرض كنعان، ثم ابتاع يعقوب قطعة أرض من شخيم (نابلس) وضرب ثمة خباءه، وسطا شمعون ولاوي ابنا يعقوب على أهل شخيم لإذلال ابن رئيس البلد أختهما، فقام يعقوب من شخيم قاصدا أباه إسحق بوطأ ممرا بجانب الخليل، فماتت راحيل امرأته نفساء بعد أن ولدت بنيامين، فدفنها في المحل المعروف إلى الآن بقبر راحيل بين القدس وبيت لحم، فسر به إسحق وبارك أولاده، وكان يعقوب يحب يوسف لحسن سجاياه؛ ولتذكره به راحيل أمه التي قضت في غض صباها فحسده إخوته، وأراد بعضهم قتله وشفع بعضهم به فألقوه في بئر ، ثم مرت بهم قافلة سائرة من مدين إلى مصر، فباعوه بثمن بخس وأخذوا قميصه وغمسوه في دم تيس، وأرسلوه إلى والدهم يوهمونه أن وحشا افترسه. (4) يوسف في مصر
باع المدنييون يوسف لفوطيفار رئيس شرط فرعون، فنال حظوة في عيني مولاه، وأقامه على كل ما يملكه، وراودته امرأته عن نفسها، فأبى اتقاء الله وتحصنا من الخيانة وتعلقت بردائه فتركه بيدها وفر، فحنقت منه وشكته لزوجها، فألقاه في السجن، فرزق حظوة في عيني رئيس السجن، فجعل كل السجنى بيده، وحلم رئيس السقاة ورئيس الخبازين حلمين، وعبرهما يوسف لهما فكان كما عبر، ثم حلم فرعون حلمين فاستدعى يوسف لتعبيرهما ... فقال له: إنهما دالان على أنه سيكون سبع سنين في مصر إقبالا وخصبا تعقبها سبع سنين يكون فيها إمحال وجوع، فلينظر الملك رجلا حكيما يقيمه على مصر يختزن الخمس من بر سني الخصب ذخيرة لسني المجاعة.
فعجب فرعون من كلام موسى، وقال: «ليس عندي مثلك أنت تكون على بيتي، وإلى كلمتك ينقاد كل شعبي، ولا أكون أعظم منك إلا بالعرش ... فقد أقمتك على جميع أرض مصر.» وخرج يوسف وجال في جميع أرض مصر وكان يجمع في سني الخصب في كل مدينة غلال ما حولها، ولما أتت سنو القحط أخذ يوسف يبيع الأهلين الغلال أولا بالفضة ثم بالماشية، ثم سألوه أن يشتريهم وأرضهم لفرعون، وسارت جميع الأرض للملك، إلا أرض الكهنة؛ لأنه كان لهم أرزاق من عند الملك فلم يحتاجوا لبيع أرضهم، وجعل يوسف نظاما لهذه الأرض أن يعطوا الخمس للملك والأربعة الأخماس تكون بزرا للحقول وميرة لهم، فبقي هذا الرسم إلى الآن، والآثار المصرية تثبت انتقال ملك الأرض إلى الفراعنة، وإن لم تصرح بمن فعل ذلك.
وعمت المجاعة أرض فلسطين فانحدر إخوة يوسف؛ ليمتاروا لهم طعاما فعرفهم يوسف، وتنكر لهم وحسبهم جواسيس، ولم يأذن بانصرافهم إلا بشرط أن يعودوا وأخوهم بنيامين معهم، وأمر أن ترد لكل منهم فضته في جولقه، ولما رجعوا ثانية تعرف إلى إخوته بالطريقة المعلومة، وأرسل إلى أبيه أن ينحدر معهم إلى مصر. (5) انحدار يعقوب إلى مصر بذريته
Halaman tidak diketahui