وفي سنة 1282 المذكورة حشد أبغا ابن ملك التتر الجيوش، وبلغوا إلى حمص فالتقاهم الملك المنصور من دمشق، ووافاه سنقر المذكور وصاحب حماة، فاقتتل الفريقان في ظاهر حمص، وكانت الدائرة على التتر فولوا مدبرين، وتبعهم المسلمون يقتلون منهم ويأسرون، واستقر ملك سورية للملك المنصور قلاون.
وفي سنة 1283 سارت بعض العساكر الإسلامية، فحاصرت قرية أهدن وملكوها بعد أربعين يوما، وخربوا القلعة التي كانت في وسطها والحصن الذي على رأس الجبل، وفتحوا بقوفا ودكوها وقتلوا أهل حصرون وكفر سارون، وهرب أهل الحدت إلى مغارة فيها صهريج، فقتلوا من أدركوه ودمروا القرية وأماتوا من لجئوا إلى مغارة حوقا بجر ماء نبع مار سمعان بشري إليها، ثم رجع هؤلاء الغزاة ولم يقيموا بجبة بشري، وفي سنة 1285 توفي الملك المنصور صاحب حماة، وهو من الأيوبيين فولى قلاون عليها ابنه الملك المظفر، وفي سنة 1286 نازل السلطان قلاون حصن المرقب، وكان بيد الإفرنج فأخذه بالأمان وخرج الإفرنج منه بما أمكنهم حمله، وفي سنة 1288 أخذ قلعة صهيون من سنقر الأشقر المذكور.
وفي سنة 1289 نازل أطرابلس بالعساكر المصرية والشامية، واشتد القتال وطال إلى أن دخلها عنوة فهرب أهلها إلى المينا، فنجا أقلهم بالمراكب وقتل أكثر سكانها، وأمر السلطان فهدمت المدينة ودكت إلى الأرض، وهرب كثيرون من الإفرنج إلى جزيرة قريبة من هناك، فعبر المسلمون بخيلهم سابحة فقتلوا جميع من فيها من الرجال، وغنموا من كان بها من النساء والصغار، وكانت أطرابلس بيد بيومند السابع أمير أنطاكية، وكنت أطرابلس وكان صغيرا تدبر أمه شئون الولاية تحت مناظرة أسقف طرسوس، وكان بين أهل المدينة بعد موت بيومند السادس اختلافات، فساعد ذلك على أخذ المسلمين مدينتهم بعد أن بقيت بيد الإفرنج نحو مائة وخمس وثمانين سنة، وبعد أخذ أطرابلس أخذ السلطان يتجهز لفتح عكا، وخرج سنة 1290 من مصر بالعساكر المتوافرة فأصابه داء أودى به. (12) في ما كان بسورية في أيام الأشرف بن قلاون «فتح عكا وغيرها»
بعد وفاة الملك المنصور قلاون الصالحي خلفه ابنه الملك الأشرف صلاح الدين خليل، وسار في سنة 1290 المذكورة بالعساكر المصرية إلى عكا، ودعى إليها العساكر الشامية، وحاصرها حصارا شديدا وعظم عليها القتال، ولم يغلق الإفرنج أكثر أبوابها بل كانوا يقاتلون عليها، ودام الحصار عدة أسابيع وكان عسكر المسلمين نحو أربعين ألف فارس، ومائتي ألف رجل من مصر انضم إليهم نحو من مائتي ألف آخرين من سورية، ولم يكن رجال الحرب في عكا في أول الأمر أكثر من عشرين ألفا، وفي 18 من أيار سنة 1291 دخل المسلمون المدينة، واستمرت الحرب في داخلها حتى قتل فيها جم غفير، وفر بعض الأهلين بالمراكب التي كانت قليلة حينئذ، فنجا بها قليلون، وكان البطريرك نيقولاوس الأورشليمي حينئذ بعكا، وكان يؤثر الموت مع شعبه فأنزلوه مكرها إلى قارب يوصله إلى المركب، فأخذ الراعي الصالح معه كثيرين حتى أثقلوا القارب، فغرق بهم جميعا، وأمر السلطان بهدم كل القلاع والحصون والدور والكنائس المشهورة، فدكت وأمست عكا قاعا صفصفا وكوم أنقاض.
فأخذ المسلمون عكا ووقع الرعب في قلوب الإفرنج، فهرب أهل صور أولا إلى طرسوس، ثم إلى قبرس، وأرسل السلطان سنجر الشجاعي نائب السلطنة بدمشق، فأخذ صيدا ثم انتقل إلى بيروت ونزل بقلعتها، وأمر الإفرنج أن ينقلوا أولادهم ونساءهم إليها، وظنوه مشفقا عليهم فقبض على الرجال وقيدهم وألقاهم في الخندق، وهدم أسوار المدينة وقلعتها، وجهز من بقي من أهلها إلى دمشق ثم إلى مصر، ولما وصلوا إليها خيرهم السلطان بين العود إلى بيروت أو التوجه إلى قبرس، وأصبحت بهذه الفتوحات جميع البلاد الساحلية للمسلمين، وأتم الملك الأشرف طرد الإفرنج من سورية، ومن سلم منهم وهو أقلهم هرب إلى قبرس ثم إلى المغرب أو اختبأ عند النصارى بلبنان، فكانت مدة مقام الإفرنج بسورية من فتحهم أنطاكية سنة 1098 إلى طردهم من عكا سنة 1291 مائة وثلاث وتسعين سنة شمسية، وأقام السلطان الأشرف من زاوية أطرابلس إلى صيدا بعض عشائر التركمان والمسلمين تحوطا من عود الإفرنج؛ لتكون هذه العشائر فاصلة بينهم وبين النصارى الوطنيين، واستمرت بقية من هذه العشائر في المواضع المذكورة إلى الآن.
وفي سنة 1292 عاد الأشرف من مصر إلى سورية وتوصل إلى حلب، وسار إلى قلعة الروم على الفرات وفتحها عنوة وقتل أهلها ونهبها، واستناب بدمشق عز الدين أيبك الحموي وعزل منها سنجر الشجاعي، وعزل قراسنقر المنصوري عن نيابة حلب، وولى مكانه سيف الدين بلبان، وفي سنة 1294 كان مقتل السلطان الأشرف، قتله بيدرا نائب السلطنة، ولاجين الذي كان السلطان قد عزله عن نيابة دمشق، وقراسنقر الذي عزله عن نيابة حلب، واتفق القاتلون على سلطنة بيدرا، فاجتمع مماليك السلطان المقتول فقتلوا بيدرا وبددوا أصحابه، وأقاموا في السلطنة الملك الناصر أخا الملك الأشرف. (13) تتمة الأحداث بسورية إلى آخر هذا القرن
إن الأمراء أقاموا عند الملك الناصر كتبغا المنصوري نائبا للسلطنة، ففي سنة 1295 حجر كتبغا على السلطان بقلعة الجبل بالقاهرة، وحجب الناس عنه واستحلفهم له، وجلس على سرير السلطنة ولقب نفسه بالملك العادل، وفي سنة 1296 سار إلى سورية وقدم دمشق، ثم حمص وتوجه إلى جوسية على طريق بعلبك، وكان قد اشتراها وعمرها وعزله عز الدين عن نيابة دمشق وولى موضعه سيف الدين غرلو مملوكه، وفي سنة 1297 خرج الملك العادل من دمشق عائدا إلى مصر، ووصل إلى نهر العوجا فوثب عليه لاجين أحد قتلة الأشرف المار ذكره فقتل مملوكين له، وفر العادل إلى دمشق ولم يجد من يدافع عنه، فخلع نفسه من السلطنة، فأعطاه لاجين صرخد فسار إليها، واجتمع الأمراء المحازبون للاجين فأقاموه ملكا ولقبوه الملك المنصور، وجعل نائبا بدمشق سيف الدين قبجق بوضع غرلو المذكور، وفي سنة 1299 وثب على الملك المنصور جماعة من المماليك الصبيان الذين اصطفاهم لنفسه فقتلوه، وأقام الأمراء مكانه الملك الناصر الذي كان كتبغا قد خلعه، وفوض نيابة دمشق إلى جمال الدين الأخرم، وفي سنة 1299 توفي الملك المظهر صاحب حماة من الأيوبيين وهو عم والد أبي أفغدا المؤرخ، وانقطعت الحكومة منهم بوفاته؛ لأن الناصر نصب قراسنقر المذكور قبلا في مكانه، ولكن رجعت إليهم بنصب أبي الفداء كما سترى.
وفي سنة 1300 حمل التتر مرة أخرى على سورية بإمرة قازان بن أرغون ملك التتر، ووصلوا إلى حلب فدخلوها ثم أتوا إلى حماة، وسارت العساكر الإسلامية صحبة الملك الناصر، والتقى العسكران في شرقي حمص، فانكسر المسلمون وتشتت شملهم، وتبعهم التتر، واستولوا على دمشق واتصلوا إلى القدس وغزة والكرك، ودعا داع قازان إلى أن يعود إلى بلاده، فعاد ولما بلغ الملك الناصر عوده جهز عسكرا إلى سورية، فخاف التتر وارتحلوا إلى بلادهم، ودخل عسكر مصر إلى دمشق، ورتب أمراؤه أمورها فجعلوا جلال الدين أقوش الأخرم نائبا بدمشق وقراسنقر نائبا بحلب، وكان قازان المذكور يعتد النصارى أخلص حلفائه وأكثرهم أمانة لملكه، وكان علم الصليب يسير بجانب علمه الملكي، وقد أرسل وفودا ورسائل إلى الحبر الروماني وملوك أوروبا يطلب المحالفة معهم، ويعد أن يسلمهم الأرض المقدسة فلم يتيسر الأمر حينئذ. (14) في المشاهير السوريين في القرن الثالث عشر
ابن الساعاتي:
هو دمشقي الأصل ويلقب بهاء الدين، وكان شاعرا مبرزا في حلبة المتأخرين، وله ديوان شعر في مجلدين أجاد فيه كل الإجادة، وديوان آخر لطيف سماه مقطعات النيل، وتوفي سنة 1207.
Halaman tidak diketahui