بها للاستئناس والتمثيل، أو لإيضاح المعنى وتأييده.
قال: وقد روى بيتا للمتنبى فى أقناء الاحتجاج لقراءة: «وليلبسوا عليهم دينهم»، بفتح الباء: «ولا تقل ما يقوله من ضعفت نجيزته وركت طريقته: هذا شاعر محدث، وبالأمس كان معنا، فكيف يجوز أن يحتج به فى كتاب الله-جل وعز-فإن المعانى لا يرفعها تقدم، ولا يزرى بها تأخر. أما الألفاظ فلعمرى إن الموضع معتبر فيها».
***
مصادر المحتسب:
يوضح ابن جنى فى مقدمة «المحتسب» أنه استند فى كتابه الذى بين أيدينا إلى ضربين من المصادر التى اعتبرها جديرة بالركون إليها والثقة فيها:
الأول: كتب يأخذ منها ويستند إلى بعض ما ورد فيها من علم أصحابها.
والآخر: روايات صح لديه الأخذ بها.
فأما الكتب فهى:
١ - كتاب أبى بكر أحمد بن موسى بن مجاهد الذى وضعه لذكر الشواذ من القراءة.
٢ - كتاب أبى حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستانى.
٣ - كتاب أبى على محمد بن المستنير قطرب.
٤ - كتاب المعانى للزجاج.
٥ - كتاب المعانى للفراء.
وأما ما صح عنده الأخذ به مما يرويه عن غير فيقول عنه: «لا نألو فيه ما تقتضيه حال مثله من تأدية أمانته، وتحرى الصحة فى روايته».
وقد نقل عن طائفة من رواة اللغة وعلمائها، وسنقصر الكلام على نقله عمن يبدو أثرهم فى الكتاب ويكثر ذكرهم فيه.
ولم يكن ابن جنى يتقبل كل ما ينقله أو يأخذه على ما خيلت، ولكنه كان ينظر فيه وينقده، فى تطلف ورفق حينا، وفى قوة وعنف حينا آخر، صريحا واضحا وحرّا مستقلا، وعادلا منصفا فى كل حين، ينشد الحقيقة وينزل على حكمها أنّى تكون.
لقد نقل عن سيبويه واستشهد بكثير من شواهده، فوافقه وخالفه، وربما جاوز الوفاق إلى الدفاع، وجاوز الخلاف إلى الإنكار والملام.
ويظهر ذلك واضحا حليّا فى الاحتجاج لقراءة: «ويعلّمهم الكتاب» بسكون الميم، فقد أورد قول امرئ القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب … إثما من الله ولا واغل
ثم قال: «وأما اعتراض أبى العباس هنا على الكتاب، فإنما هو على العرب لا على صاحب الكتاب؛ لأنه حكاه كما سمعه، ولا يمكن فى الوزن أيضا غيره. وقول أبى العباس: إنما الرواية
1 / 69