التاريخ، وهاجم الحمدانيين. وكان أبو علىّ على اتصال وثيق بآل بويه.
وكان أكثر اتصاله بعضد الدولة، حتى إن عضد الدولة كان يذكر عن نفسه أنه غلام أبى علىّ.
وقد يكون من دواعى هذه الصلة الاشتراك فى الانتساب إلى الفرس، ومعرفة الفارسية، فقد كان أبو على يعرفها، كما يذكر تلميذه أبو الفتح. ويبدو أنه كان يصحب آل بويه فى حروبهم؛ ففى البغية فى ترجمة أبى علىّ: أن عضد الدولة لما تهيأ لقتال ابن عمه دخل عليه أبو علىّ، فقال له عضد الدولة: ما رأيك فى صحبتنا؟.
فقال له أبو علىّ: أنا من رجال الدعاء، لا من رجال اللقاء.
ولولا أن أبا علىّ من عادته أن يصحب عضد الدولة فى مثل هذا الوجه لما عرض عليه هذا العرض. ويبدو أن اعتذار أبى علىّ عن صحبة عضد الدولة؛ لأنه كان يقصد حرب رجل من أسرة آل بويه، وهو لا يبغى أن يحمل أحد منهم حقدا عليه وضغنا نحوه.
وتجمع الروايات على أن أبا الفتح صحب أبا على بعد سنة ٣٣٧ هـ، ولازمه فى السفر والحضر، وأخذ عنه، وصنف كتبه فى حياة أستاذه، فاستجادها ووقعت عنده موقع القبول.
وهو كثير الاعتزار بأبى علىّ، كثير الرواية عنه فى كتبه. وهو يثنى عليه الثناء الجيد.
ويقول فى «الخصائص ٢٠٨/ ١»: وقلت مرة لأبى بكر أحمد بن علىّ الرازى-﵀ -وقد أفضنا فى ذكر أبى علىّ ونبل قدره، ونباوة محله: أحسب أن أبا على قد خطر له وانتزع من علل هذا العلم ثلث ما وقع لجميع أصحابنا.
فأصغى أبو بكر إليه، ولم يتبشع هذا القول عليه؛ وهو يريد بالعلم علم العربية.
ويقول أيضا فى «الخصائص ٢٧٦/ ١» فى أبى علىّ: «ولله هو، وعليه رحمته! فما كان أقوى قياسه، وأشد بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه! مع جلة أصحابها، وأعيان شيوخها سبعين سنة، زائحة علله، ساقطة عنه كلفه، وجعله همه وسدمه، لا يعتاقه عنه ولد، ولا يعارضه فيه متجر، ولا يسوم به مطلبا، وقد حط عنه أثقاله، وألقى عصا ترحاله».
ويشبه ابن جنى فى نقله فى كتبه علم أبى علىّ، سيبويه فى نقله علم الخليل.
على أن ابن جنى كثيرا ما يذكر أن أستاذه كان يسأله فى بعض المسائل، ويرجع إلى رأيه فيها، وأن أبا علىّ كان يقتنع بعلم ابن جنى فى بعض الأمور فيدون رأيه فى كتبه. فهو يقول فى الخصائص ٣٦٥/ ١: «وقلت مرة لأبى علىّ، ﵀: قد حضرنى شئ فى علة الإتباع فى نقيذ، وأن تكون عينه حلقية؛ وهو قرب القاف فى الخاء والغين. فكما جاء عنهم النخير والرغيف كذلك جاء عنهم النقيذ. فجاز أن تشبه القاف لقربها من حروف الحلق بها، كما شبه من أخفى النون عند الخاء والغين إياهما بحروف الفم. فالنقيذ فى الإتباع كالمنخل والمنغل فيمن أخفى النون. فرضيه وتقبله. ثم جاء فيما بعد بخطه فى تذكرته».
1 / 47