والوجه الخامس: أن يكون الاختلاف فى الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها نحو قوله:
«وطلع منضود» فى موضع: ﴿وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ﴾.
والوجه السادس: أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير. نحو قوله: ﴿وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾، وفى موضع آخر: «وجاءت سكرة الحقّ بالموت».
والوجه السابع: أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان، نحو قوله تعالى: «وما عملت أيديهم»، ﴿وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾، ونحو قوله: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ و«انّ الغنىّ الحميد».
وقرأ بعض السلف: «إنّ هذا أخى له تسع وتسعون نعجة أنثى»، و«إنّ السّاعة آتية أكاد أخفيها من نفسى فكيف أظهركم عليها».
*** فأما زيادة «دعاء القنوت» فى «مصحف أبى»، ونقصان أم الكتاب والمعوذتين من «مصحف عبد الله»، فليس من هذه الوجوه، وسنخبر بالسبب فيه، إن شاء الله.
وكل هذه «الحروف» كلام الله تعالى، نزل به الروح الأمين على رسوله ﵇ وذلك أنه كان يعارضه فى كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن فيحدث الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وييسر على ما يشاء. فكان من تيسيره: أن أمره بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم:
فالهذلى يقرأ: «عتّى حين» يريد: ﴿حَتّى حِينٍ﴾؛ لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها.
والأسدى يقرأ: «تعلمون» و«تعلم» و«تسودّ وجوه» و«ألم إعهد إليكم».
والتميمى يهمز. والقرشى لا يهمز.
والآخر يقرأ: «وإذا قيل لهم» و«غيض الماء» بإشمام الضم مع الكسر، و«هذه بضاعتنا ردّت إلينا» بإشمام الكسر مع الضم و«ما لك لا تأمنّا» بإشمام الضم مع الإدغام، وهذا ما لا يطوع به كل لسان.
ولو أن كل فريق من هؤلاء، أمر أن يزول عن لغته، وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا؛ لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للّسان، وقطع للعادة.
فأراد الله، برحمته ولطفه أن يحمل لهم متسعا فى اللغات، ومتصرفا فى الحركات، كتيسيره عليهم فى الدين حين أجاز لهم على لسان رسوله، ﷺ، أن يأخذوا باختلاف العلماء من صحابته فى فرائضهم وأحكامهم، وصلاتهم وصيامهم، وزكاتهم وحجهم، وطلاقهم وعتقهم، وسائر أمور دينهم.
1 / 37