لعله مجمل فى القراءة الأخرى، فقراءة «يطهرن» بالتشديد مبنية لمعنى قراءة التخفيف، وقراءة:
«فامضوا إلى ذكر الله» تبين أن المراد بقراءة «اسعوا» الذهاب لا المشى السريع.
وقال أبو عبيد فى فضائل القرآن: المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها كقراءة عائشة وحفصة «والصلاة الوسطى صلاة العصر» وقراءة ابن مسعود: «فاقطعوا أيمانهما».
قال: فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن، وقد كان يروى مثل هذا عن التابعين فى التفسير فيحسن، فكيف إذا روى عن كبار الصحابة ثم صار فى نفس القراءة فهو أكثر من التفسير وأقوى، فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل، انتهى.
التنبيه الخامس: اختلف فى العمل بالقراءة الشاذة فنقل إمام الحرمين فى البرهان عن ظاهر مذهب الشافعى أنه لا يجوز وتبعه أبو نصر القشيرى، وجزم به ابن الحاجب لأنه نقله على أنه قرآن ولم يثبت، وذكر القاضيان أبو الطيب والحسين والرويانى والرافعى العمل بها تنزيلا لها منزلة خبر الآحاد، وصححه ابن السبكى فى الجوامع وشرح المختصر، وقد احتج الأصحاب على قطع يمين السارق بقراءة ابن مسعود وعليه أبو حنيفة أيضا، واحتج على وجوب التتابع فى صوم كفارة اليمين بقراءته «متتابعات» ولم يحتج بها أصحابنا لثبوت نسخها.
التنبيه السادس: من المهم معرفة توجيه القراءات وقد اعتنى به الأئمة وأفردوا فيه كتبا منها «الحجة» لأبى على الفارسى و«الكشف» لمكى و«الهداية» للمهدوى و«المحتسب» فى توجيه الشواذ لابن جنى، الذى نقدمه للقارئ اليوم.
قال الكواشى: وفائدته أن يكون دليلا على حسب المدلول عليه أو مرجحا إلا أنه ينبغى التنبيه على شئ وهو أنه ترجيح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقطها وهذا غير مرضى؛ لأن كلا منهما متواتر.
وقد حكى أبو عمر الزاهد فى كتاب «اليواقيت» عن ثعلب أنه قال: إذا اختلف الإعرابان فى القراءات لم أفضل إعرابا على إعراب، فإذا خرجت إلى كلام الناس فضلت الأقوى.
وقال أبو جعفر النحاس: السلامة عند أهل الدين إذا صحت القراءتان أن لا يقال إحداهما أجود؛ لأنهما جميعا عن النبى ﷺ فيأثم من قال ذلك، وكان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا.
وقال أبو شامة: أكثر المصنفون من الترجيح بين قراءة «مالك» و«ملك» حتى أن بعضهم بالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين، انتهى.
وقال بعضهم: توجيه القراءات الشاذة أقوى فى الصناعة من توجيه المشهورة.
***
1 / 34