ومشافهة جريمة لا تغتفر؟؟ وكيف ساغ لنا أنْ نعدَّ كل من ينقل عن الكتب انه «لا يدري أصحيح ما كتب فيها أم لا»؟ وإِذا كان العالم المتعمق غير قادر على التمييز بين الصحيح وغيره فيما يقرؤه ويقف عليه فمن هو القادر إِذن؟، ولماذا هذا التفريق بين من أخذ من الكتب فأخطأ في بعض الحروف كالخارزنجي ومَنْ سمع من الأعلام فأخطأ أيضًا كأبي تراب والقتيبي؛ فنتهجم على الأول بكل قسوة ونعفو عن الثاني بكل رحابة صدر؟!.
انها لمسألة فيها أكثر من نظر.
وكيف لا يكون فيها أكثر من نظر، ونحن نعلم ان السماع ليس ملازمًا للصحة دائمًا، وهذا أبو عبيدة والأصمعي وأبو زيد وأبو عمرو بن العلاء والمفضَّل وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه وأبو الخطاب وسعيد بن مسعدة الأخفش وأحمد بن حاتم وابن الأعرابي والكسائي والفراء واللحياني وابن السكيت وثعلب والمبرد وكثيرون غيرهم (^٦٨) قد صحفَّوا وحرَّفوا ووقع بعضهم في أفحش الأغلاط مع كل التزامهم بالقراءة والسماع والدقة.
واذن. فما يقوله الأزهري خلال حملته على الخارزنجي وما أثبته من حروف صحفها وأخرى أخطأ فيها-وهي لا تتجاوز تصحيفات الآخرين وأخطاءهم-إِنما هو أمر له دوافعه الخاصة ومثيراته التي لا تمت إِلى هذه المعاذير المزعومة بصلة.
ثم نعود إِلى الحملة الثانية التي شنَّها الأزهري على معاصره بشأن استدراكه على الخليل وتأليفه «تكملة كتاب العين» واستدلال الأزهري بذلك على «غفلة» الخارزنجي «وقلة فطنته وضعف فهمه»، وانها لحملة ظالمة ليس
_________
(^٦٨) يراجع في تفاصيل تصحيفات هؤلاء: التنبيه على حدوث التصحيف لحمزة بن الحسن الاصبهاني:١١٣ - ١٥٤، وما ورد في هوامش الصفحات من مراجع كل تصحيفة منها.
1 / 29