Perbualan Alfred North Whitehead
محاورات ألفرد نورث هوايتهد
Genre-genre
قال هوايتهد: «لو أردت مثلا قويا لزماننا اقرأ حياة «الملكة إليزابث»
1
لمؤلفه نيل. إنها مثل حياتنا دقة بدقة، فيها الشك، ولم تخطر ببال أحد أية فكرة عما عساه يحدث، وقد كانت فرصة الاغتيال لإليزابث سانحة، ثم كان دور ماري ستيوارت، ولو أنها عاشت بعد إليزابث لحدث أحد أمرين؛ فإما أن تكون ملكة وينهار ما تم في عهد الإصلاح الديني، أو تنشب حرب أهلية طاحنة، ومع ذلك فإن ذلك العصر قد تمخض عن عمل رائع.» - «هل عصور الانقلاب ملائمة للخلق؟» - «أحسب أنها كذلك، إذا لم يطل أمدها ولم يشتد عنفها. في عصر إليزابث، كانت تمر بعض الأسابيع الهادئة لا يحدث فيها الكثير، فكان الشاعر يستطيع أن ينصرف إلى تأليف مسرحياته، ثم هناك أيضا الحافز الذي يصدر عن شخصية كبيرة تؤدي عملا طيبا، فتتلوها شخصيات أخرى كثيرة.» - «وهل يمكن أن يستنفد فنان واحد - أو فنانان عظيمان - عصرا بأسره، أو أن يستأثر وحده بصورة من صور الفن؟ إن عصر النهضة يضمحل بعد مشيل أنجلو، والأوبرا العظيمة بعد فاجنر صورة هزيلة.» - «أجل، إن ذلك قد يحدث، وأمثال هؤلاء الرجال يظهرون في نهايات العهود، وموضع الخطر أن تكون الموضوعات الكبرى قد تم أداؤها بصورة رائعة، فلا يجد الفنان المتأخر سوى الموضوعات الثانوية، أو أن يجمل فيما سبق أو أن يزيد من تفاصيله، فينساق الفن أو الفكر إلى الأماكن الضحلة. وما أيسر أن يتم ذلك، وما أفتكه بالفن. أقصد الموضوعات التي هي
مبتذلا، ومع ذلك فقد استطاع النحاتون في العصر الوسيط والمصورون في عصر النهضة أن يعبروا عنها تعبيرا جميلا يفوق التصور، ومن العبث أن تحاول تقليدهم. إنني أحس أن أعظم الفنون لا يبتكر إلا في العصور، وفي الموضوعات، التي يشتد لها التحمس والذيوع، وينعقد عليها الإجماع. إنها تخاطب العامة من الناس، وعندما يبدأ الفن في التصدع إلى حلقات خاصة تقل أهميته، وعندما تقول هذه الحلقات: «إن هذا الفن أرفع من أن تفهمه العامة.» حينئذ أشك في جودة الفن وفي عظمته.» - «وعصرنا عصر تصدع، وربما لم يهتد مفكرونا بعد إلى اتجاهاتهم في العهد الجديد، وربما كان ذلك سببا في تخلفهم. لقد تزعزعت عقائد القرن التاسع عشر؛ ومن دلائل ذلك كتابة السير بروح التهكم. إن ليتن ستراتشي - الذي عرفته واستمتعت به - يكتب عن شخصيات عصر فكتوريا في ألفة بهم وحماسة بالغة لهم، ولكن عندما يقول أحد المعاصرين: «دعنا نجلس ونسخر في هدوء من هذه المخلوقات الغليظة، دكتور توماس أرنولد والملكة فكتوريا.» عندما يقول ذلك ربما كان مسليا، وربما مس مواطن الضعف فيهم، ولكنه لا يكتب عما كان يمدهم بالروح المعنوية، أو عما كان يدفع القرن الذي عاشوا فيه إلى الأمام، والمحصول الثاني الذي نحصده من مثل هذه السخرية قد يدعو إلى الرثاء. وأظن أن جيلك قد قاوم التصدع أكثر من الجيل الصاعد. إنه لا يعرف عالما غير عالمه، ولكن جيلك قد عرف. خذ مثالا هذه الدقائق الخمس عشرة التي نقضيها في الحديث الآن، إننا نتكلم جادين، أما هم فيقولون: «ما يميز خمس عشرة دقيقة عن مثلها ، ما دام المرء يقضيها في متاع؟ ولماذا يكون هناك أي فارق؟ وما هو الهدف؟ وما هي القيمة؟ وما هو الغرض؟»»
قلت مؤكدا: «ولكنك ولكني لا نعتقد أن هذه الدقائق الخمس عشرة ليست بأكثر أهمية من مثيلاتها.» - «ذلك لأننا ننتمي إلى جيل كان يشعر أن بعض الخبرات أعلى قيمة من غيرها، وكان عندنا حس بالاتجاه الذي تسير فيه.»
ثم أثير موضوع العلم - أو العصر العلمي - وهل هو يعادي الشعر؟
قال: «أعتقد أن بعض عظماء الشعراء لو عاشوا في زماننا ربما كانوا علماء ولم يكونوا شعراء. شلي - على سبيل المثال - أظن أنه كان بالإمكان أن يصبح كيمويا أو عالما من علماء الطبيعة. وخذ مثالا آخر، الأستاذ آمز الدارتموثي، لقد اشتهر اسمه في أوروبا وأمريكا بكشوفه في ميدان علم النفس والبصريات، لو تحدثت إليه لتبين لك على التو أنك تتحدث إلى شاعر أو صوفي.» (وتنبهت إلى أن هذا بعينه يحدث في مسرحية «أجنحة فوق أوروبا» لصاحبيها روبرت نيكولاس وموريس براون؛ العالم فيه شاب شاعر مثالي يؤمن بشلي.)
وهنا دخل علينا مستر جورج أجاسز، وبينما كان يبحث على عجل مع الأستاذ هوايتهد بعض شئون جامعة هارفارد، التي كان مستر أجاسز مراقبا عليها، تهيأ لي الوقت لأتفرس في الغرفة؛ إنها حجرة كبيرة ذات سقف مدبب يستند إلى دعائم مكشوفة، بها موقد من الطوب يتسع لكتل خشبية يبلغ طول الواحدة منها ثلاث أقدام، وهذه الحجرة الدراسية تغطي جدرانها الكتب، والأريكة والمقاعد حول الموقد مكسوة باللون الأخضر الفاتح، وثيرة باردة، ولكن لهيب الكتل الخشبية كان يشع دفئا مستحبا في برودة أبريل الفاترة المتخلفة من فصل الشتاء، والمكتب وحافظة الأوراق تستقبل ضوء النهار استقبالا حسنا، ولكن مكان عمله كان بالتأكيد ذلك المقعد الكبير المنخفض بجوار النافذة الجنوبية الغربية، وكان معدا بلوح للكتابة يمكنه أن يضعه فوق حجره.
ومن تلك النافذة يطل المرء على رقعة فسيحة من سلاسل التلال والمراعي والغابات، وكان الوقت بعد ساعة الغروب، فكانت التلال المتشابكة تبدو في الأفق أرجوانية كالشفق، تحت سماء صافية في ربيع باكر. •••
وكانت مسز هوايتهد في حجرة الجلوس على مقعدها المتمدد، وما أكثر ما وقع من حوادث؛ لقد انقصمت رقبة ابنتهما جس وهي تنزلق فوق ثلوج جبل واشنجتن، وظلت أسابيع معلقة بين الحياة والموت، ولما تقشع هذا الهم أصيبت مسز هوايتهد بنوبة قلبية؛ فكانت شاحبة اللون، ولكن ما برحت تتقد فيها شرارة الحياة. كانت بقامتها المديدة وقدها النحيل وشعرها الأبيض وردائها الأسود تبدو سيدة جليلة أكثر مما تبدو سيدة عليلة، وإن كانت تتناول عشاءها على نضد «طاولة» في مرقدها. أما نحن فقد اتجهنا نحو مائدة الطعام، ولكن الباب بيننا وبينها كان مفتوحا بحيث تستطيع أن تشارك في الحديث، وكانت تفعل ذلك الفينة بعد الفينة.
Halaman tidak diketahui