Dialog Plato: Euthyphro – Pertahanan – Crito – Phaedo
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
Genre-genre
إلى الأستاذ الجليل أحمد حسن الزيات، أهدي هذا الكتاب؛ فهو صدى «رسالته»، وثمرة دعوته.
زكي نجيب محمود
أفلاطون.
مقدمة
نقل «بنيامين جويت
Benjamin Jowett » محاورات أفلاطون إلى اللغة الإنجليزية - كما نقلها كثيرون غيره - ولكنه اختص هذه المحاورات الأربع، التي نقدمها اليوم إلى قراء العربية، بكتاب مستقل؛ لأنها تصور حياة سقراط تصويرا دقيقا، أو لعل أفلاطون قد أضاف إليها من فنه ما خلع على تلك الحياة ثوبا من الكمال؛ فنحن لا ندري أهو يسوق في المحاورات الثلاثة أقوال سقراط بنصها التاريخي، أم ينسج فيها بخياله صورة تمثل شخصية أستاذه تمثيلا صحيحا، كما يفعل الروائي بأبطاله. ومهما يكن من أمر، فلا ريب في أنه وفق وأجاد في ذلك التصوير، فجاء سقراط كما كان في حياته التي أثبتتها الرواية التاريخية: كثير السؤال، قليل الجواب، حاضر البديهة، لاذع السخرية، يحاور محدثه ويداوره، آخذا بزمامه إلى غاية خلقية قصد إليها ودبر لها الحديث. ولكنك ستلمس في «فيدون»، وهو رابع المحاورات في هذا الكتاب، جانبا آخر من الفيلسوف، ففيه صورة من سقراط في نزعته المثالية وفلسفته الروحية التي بدأت عنده وبلغت أوجها في تلميذه أفلاطون. وها نحن أولاء نستعرض في هذه المقدمة أهم ما تحويه هذه المحاورات، لعلها تعين القارئ على حسن الفهم وجودة الإساغة والتقدير.
ففي «أوطيفرون» - وهو الحوار الأول - يقدم لنا أفلاطون أستاذه سقراط في ثوب المعلم الذي يحاول بما أوتي من قوة الجدل أن يوقظ الناس من سباتهم، فلا يسلمون تسليما أعمى بما ورثوه من آراء لم توضع على محك البحث والاختبار، وهو يحاول ما استطاع أن يثير فيهم حب البحث في معاني الأحكام التي يرسلونها إرسالا عن إيمان ساذج غرير في مسائل الأخلاق؛ فتراه يلمس مع محدثه تعريفا للتقوى لكي ينتهي بمحاوره إلى العقيدة بضعف الأساس الخلقي الذي يقيم عليه دعاة تعدد الآلهة مذهبهم؛ فهو يرى بعد البحث أن الفعل لا يكون صالحا إلا إذا صادف قبولا من الآلهة جميعا؛ ومن ثم ينشأ إشكال آخر وهو: هل يكون الفعل صالحا لأنه يرضي الآلهة، أم أن الآلهة يرضون عنه لأنه صالح؟ فإذا صح الفرض الأخير كان تعريف التقوى هو أنها جزء من العدالة؛ ولكن العدل بصفة عامة يتعلق بما نلتزم به نحو الناس من واجبات، ولا شأن له فيما بيننا وبين الآلهة من صلة. وهنا يغوص القارئ في بحث تحليلي للموضوع: فهل تقتضي خدمتنا للآلهة واجبات خاصة غير ما نقوم به من واجب اجتماعي؟ ... ثم يختتم الحوار بنتيجة تبدو سلبية في ظاهرها، وهي أن التقوى تنحصر في فعل ما يرضي الآلهة، وهو نفس التعريف الذي قرر المتحاوران رفضه بادئ ذي بدء باعتباره ناقصا لا يفي بالغرض، ولكن القارئ المدقق لن يخطئ ما انتهى إليه البحث من أن التقوى ليست جزءا من الأخلاق، ولكنها مظهرها الديني فحسب.
أما في «الدفاع»، وهو الحوار الثاني الذي ساق لنا أفلاطون فيه دفاعا، لسنا ندري أهو نص صحيح لما نطق به سقراط أمام قضاته، أم أن أفلاطون قد أنشأه إنشاء ليصور به دفاع سقراط، أو ما كان يجب أن يقوله سقراط في دفاعه؛ ففي هذه المحاورة ترى سقراط يبسط لقضاته طبيعة الرسالة التي كلفته الآلهة بأدائها، فكأنما أرسل ليوقظ الأثينيين من رقادهم واستسلامهم للآراء التقليدية الموروثة، وليحملهم على التأمل في معنى حياتهم والغرض منها؛ إذ هم يعيشون في جهالة يزيد في ظلامها وخطورتها ما يتوهمونه في أنفسهم من علم ومعرفة؛ لأنهم بسبب هذا الوهم يرون أنفسهم أهلا لأن يصدروا أحكاما في مسائل الأخلاق كلها.
لم يكد يصدق سقراط ما قالت به راعية دلفي من أنه أحكم الناس لأنه يوقن أنه لا يعلم شيئا، فانطلق يحاور الناس ويجادلهم ليرى مبلغ ما يعلمون لعله يقيم الدليل على كذب الراعية فيما زعمت له من مكانة ممتازة في الحكمة، ولم يختر من الناس إلا من عرفت عنهم المقدرة والكفاءة من أعلام الساسة والجند وغيرهم، فراعه أن يجدهم جاهلين فيما يدعون العلم به، بل إن الشعراء أنفسهم الذين ينطقون بالقول الجزل والحكمة الرائعة لم يستطيعوا أن يجيبوا بشيء ذي غناء حين استفسرهم سقراط عما يقولون من شعر؛ مما دل سقراط على أنهم ينشدون الشعر عن وحي لا عن معرفة، أما أصحاب الحرف فقد ألفاهم يعلمون بعض العلم عما يدور حول حرفهم التي يزاولونها؛ فهم يعلمون أغراضهم التي يقصدون إليها، ويعرفون الوسائل الصحيحة التي تؤدي بهم إلى تلك الأغراض، غير أنهم حين سئلوا: ما الغرض من حياتهم، وكيف تحققون هذا الغرض؟ كانوا أشد من غيرهم جهالة.
ويسلم سقراط في حوار الدفاع بأن هنالك غرضا خلقيا واحدا من أجله ينبغي أن يحيا الناس أجمعون إذا ما عرفوا حقيقة طبيعته؛ فكل الناس ينشدون الخير، وأما المال والشرف والمنزلة الرفيعة بين الناس وما إلى هذه الأشياء فليست تستحب إلا لأنها وسائل للخير. ولقد ألقى سقراط على الحياة نظرة بما عرف فيه من إدراك سليم مستقيم عملي، فرأى أنه خير للمرء أن يموت من أن ينزل عن أداء واجبه. نعم إن الموت بلاء فادح، ولكن سقراط نظر إليه بعينين صافيتين، فرأى أنه لا ينبغي أن يخشى جانبه؛ لأنه إما أن يكون حالة من اللاشعور فلا بأس فيه، أو أننا سنحيا بعد الموت في عالم آخر نلتقي فيه بخير الرجال وأعلامهم الذين عاشوا فيما مضى، وكلتا الحالتين لا تبعثان على الخوف.
Halaman tidak diketahui