تكاد العبارة تقتحم كل شبر أدركته الحرب في البلاد، أما أنا فلم أزل هناك في المقعد الخلفي ولا أعرف تماما لماذا بدأت أشعر بمغص قوي في معدتي، ذاك وجع يصيبني في حالات شعورية مختلفة، كأن أخلو مع امرأة للمرة الأولى، أو عندما أفقد عزيزا للمرة الأولى .. أو غيرها من البدايات التي تسبب مغصا شبيها .. على كل حال، الآن أستطيع أن أتوقف عن القتال وأذهب إلى المشفى.
2 «المصاب»
رائحة المعقمات تملأ أنفي، إبرة حادة منغرسة في شريان يدي اليسرى، عتمة متواصلة، صوت خطوات بإيقاع غير منسجم، تنهيدات أنثوية يبدو عليها الملل، تتردد وتغيب، أحاديث جانبية متقطعة، ربما أكون أنا الجانبي وهي التي تتصدر المشهد، لا أعرف تماما، فلست أرى شيئا.
صوت الباب يفتح، أحدهم يدخل الغرفة، بل يقترب مني أنا .. نعم الصوت قريب جدا، إنه يأخذ شكل الكلمات، ينطق: ألم يستيقظ بعد؟
سمعت صوتا أنثويا مرحا يرد: مبارك انتصاركم أيها الطبيب اللطيف.
شعرت بيده تتلمس جبيني، وأنا أعني ما أقول، يده وليست يدها، أعرف يدها جيدا رغم أنها لم تلمسني سوى مرة واحدة كما أذكر، ولكن ملمس يدها ناعم جدا، على الأقل أكثر نعومة من صوتها المكتظ بالحياة والعفوية والمرح، راح صوتها ينطلق من جديد: لم أتوقع مجيئك اليوم أيضا، أنت طبيب مثابر تواصل عملك حتى بعد سهرة طويلة كالتي حدثت في الأمس.
رد عليها بصوت تغلب عليه الدهشة: حسنا طوال الوقت وأنا أواظب على علاجه، ولكن لماذا لا آتي؟ أعني .. ما الذي حدث في الأمس؟
شعرت بها تقترب منه وتزيح يده عني وهي تقول: في الأمس احتفلنا. - حقا؟ - احتفلنا وشربنا نخب الانتصار ونهاية الحرب.
راحت الأحاديث الجانبية تبتعد عني وتبهت إلى أن تلاشت الأصوات تماما، كان يجب أن أحسن السمع أكثر؛ فذاك الصوت مألوف جدا، أعرف صوتا كهذا أقل رزانة وأكثر انفعالا، قد يكون .. ولكن لا .. لا أعرف .. هذا الصوت دافئ .. لا شيء الآن مؤكد إلا أن الحرب قد انتهت دون أن أعرف إن كنا قد انتصرنا أم لا، وكل ما أعرفه أن لحظة النهاية دوت في فترة كانت فيها كفة الحرب ترجح لصالح الطبيب، أما ما لست أعرفه فهو إن كنت أقاتل مع طرف الطبيب أم ضده. إجابة هذا السؤال كفيلة لأعرف إن كنت منتصرا أو مهزوما.
3 «الطبيب»
Halaman tidak diketahui