توقفت عن العزف نهائيا، أما أنا فقلت العبارة ولم أتحرك.
شيء أخير قبل الانتحار
يبدو أن الطقس جميل جدا هذا الصباح، قد يكون أنسب صباح للانتحار، ولكن ربما علي أن أفعل شيئا ذا أهمية بقدر الانتحار، شيئا جديرا بخسارته عند الموت؛ فليس في حياتي قط ما يستحق الموت كما أنها ليست جديرة بأن تعاش.
سأزور أبي أولا، أتشاجر معه، ترتفع أصواتنا ثم يسب الساعة التي أنجبني فيها، وبالطبع سيشتم أمي العجوز المسكينة التي تزوج عليها لأنها لم تنجب غيري، أو كما يقول لها في كل عراك: «لم تنجبي لي غير هذا الأخرق.» على كل حال سيكون الأمر مسليا.
بعد ذلك سأتجه إلى أمي لأشحن مشاعري بشيء من الدراما والبكاء، وأنهي يومي بزيارة لحبيبتي وفاء، تلك التي تركتها تبكي قبل ثلاث سنوات، وسوف أقبلها بشبق ولكن لن أنام معها مهما فعلت. •••
وصلت صباحا إلى بيت أبي ولم أجد غير زوجته الثانية، وكانت ترتدي الأسود، وتضع قليلا من الكحل على عينيها، سألتها عنه فأجابت والبكاء يجرح صوتها: لقد مات ليلة أمس، وهم الآن يستعدون لجلب جثمانه من غرفة تغسيل الموتى. - اليوم يموت؟ ألم يكن بإمكانه أن يؤجل الأمر ليوم آخر؟ - بل مات في الأمس .. اذهب إلى المستشفى فهم يحتاجون رجلا من العائلة ليقوم ..
قاطعتها بهدوء: لا داعي لذلك، سأزور أمي. •••
ذهبت إلى مأوى العجزة، وهناك قابلت موظفة غريبة الأطوار، بقيت وقتا تتأمل في ملامح وجهي وبالمثل فعلت، نظرت فنظرت، تأملت وجهي فتأملت وجهها، اقتربت خطوة فاقتربت مثلها، إلى أن سئمت من نظراتها الطويلة، وقلت: هل ثمة من ملامح محددة لمن يحق لهم مقابلة أمهاتهم في هذا المأوى؟
ردت متلعثمة: لا تؤاخذني وإنما أستغرب؛ كوني لم أكن أعلم أن لأم وليد أولادا .. كنت أظن أن ابنها التي صدعت رأسنا به هو محض عرض من أعراض «الزهايمر». - لا داعي للارتباك؛ فأم وليد لديها ولد واسمه وليد .. يبدو هذا غريبا . - وهل أنت وليد؟ - تخيلي!
ودون أن تنبس ببنت شفة اصطحبتني إلى أمي، وخرجت.
Halaman tidak diketahui