Muhalhil Sayid Rabica
المهلهل سيد ربيعة
Genre-genre
فلم يجب الشيخ على قوله بكلمة، بل ظل مطرقا وهو يعبث بلحيته، وساد الصمت حينا آخر، ثم استمر جساس قائلا: «وقد عزمت يا أبي على أن أحمل جريرتي دونكم، وأبذل نفسي في فدائكم، لعلي أنقع غلة ذلك الصديان الذي لا يرتوي من كل ما أراق من دمائنا.»
فرفع الشيخ رأسه مسرعا وقد بغته ذلك الرأي الجديد، وقال مندفعا: «ماذا تقول يا جساس؟»
فاستمر جساس يتكلم فقال: «لقد عزمت على أن أذهب إلى المهلهل وأسلم إليه نفسي، لعله يقنع بي وينصرف عنكم.»
فقال الشيخ وفي صوته غضبة ثائرة: «أبعد إذ كان ما كان؟ أبعد أن قتل من ولدي وقومي من قتل في سبيل الحفاظ والكرامة تسلم نفسك إليه؟ أتلحق بنا المعرة التي كرهناها، وتنزل بنا الصغار الذي أبيناه؟ وما لذة الحياة بعد من ذهبوا؟ وهل يحل بنا بعد اليوم إلا مثل ما حل بقومنا بالأمس؟ لقد أبينا أن نسلمك لهم ونحن أعزة، فلن نسلمك لهم ولم تبق لنا عزة نحرص عليها. ليس بيننا وبين المهلهل إلا الفناء.»
وكانت العزيمة الصارمة التي في صوته لا تدع مجالا للمراجعة.
فنظر جساس إلى وجهه المجعد لحظة، وخفق قلبه حزنا إذ رأى عليه أثر الهم الذي يضمره في قلبه، وأحس أنه لا يزال الابن الصغير الضعيف أمام ذلك الأب الشيخ القوي الفتي. ولم يستطع إلا أن يغض بصره وأطرق إلى جواره موزع النفس كاسفا.
ومضت لحظة أخرى في صمت، ثم استأنف جساس القول، وكان في هذه المرة أكثر ترددا واضطرابا. قال: «إذا كنت يا أبي قد عزمت على المضي في هذه الحرب فلا أرى لك أن تبقى ها هنا.»
فقال الشيخ في هدوء وقد نظر إليه فاترا: «وإلى أين نذهب إذا لم نقم ها هنا؟ لقد اضطررنا إلى هذا المقام اضطرارا، ولم يبق لنا بعد هذا الموطن إلا الفيافي القاطعة، ولن يكون لنا فيها إلا العذاب ثم الهلاك. وإذا كان ولا بد لنا من الموت فليكن على ظهور الخيل والسيوف في أيدينا.»
فقال جساس وقد زاد اضطرابا وترددا: «لقد بدا لي رأي إذا أحببت أن تسمعه.»
فقال الشيخ ولا يزال فاترا: «قل ما بدا لك يا ولدي.»
Halaman tidak diketahui