81

Catatan Saya

مذكراتي

Genre-genre

أميركا تدخل في الخلاف

انتهينا في الفصل الماضي إلى أن المفاوضات - وإن لم تكن قد قطعت رسميا - إلا أنها كانت في حكم الموقوفة، وقبل الدخول في تفصيل ما جرى من المسائل بعد ذلك تحسن الإشارة إلى الروح، التي أملت على الوفد المصري النص الذي ترتب عليه وقف المفاوضات، فإن هذا النص لم يأت بسهولة، إذ كان هناك خلاف بين أعضاء هذا الوفد في وجهة النظر إلى نوع المساعدة، التي تقدمها مصر لبريطانيا الحليفة، فقد كان بعض حضرات الأعضاء يرى أن مصر لا يطلب منها في هذه المحالفة القيام بإجراء عسكري من جانبها في مساعدة إنجلترا، بل تكون المساعدة مقصورة - كما كانت في الحرب الماضية - على مساعدات لا تعرض كيان البلاد ، ولا أرواح سكانها للخطر، ولولا أن اللجنة السياسية في عهد المرحوم أحمد ماهر باشا كانت قد قررت بإجماع الآراء أنه لا بد من بقاء مصر حليفة لدولة كبرى، على الرغم من وجود هيئة الأمم المتحدة، لكان البعض - ولو أنه قليل العدد جدا - أميل إلى عدم الارتباط، والاكتفاء بالمفاوضة من أجل الجلاء، وسيادة مصر على السودان ووحدتهما ... على أنه في نهاية الأمر تغلب الفريق القائل - كما كان منتظرا - بأن المحالفة تقضي صونا لكرامة مصر بظهورها في مظهر الند لإنجلترا، لا بمظهر التابع، ومن أجل ذلك يجب أن تتحمل جانبا من الأعباء العسكرية، وقد رأى هذا الفريق وهو أغلبية الوفد المصري الساحقة، حلا وسطا هو أن تكون مساعدة مصر لبريطانيا مقصورة في وقت الحرب على وقوع الاعتداء على البلاد المتاخمة لمصر، ويبرر ذلك أن البلاد المصرية تكون في هذه الحالة قد تعرضت للخطر ...

وهذا النص هو الذي بقي حتى آخر المفاوضات، وقبله الوفد البريطاني.

محالفة دفاعية

وأحب هنا أن أشير إلى أن المحالفة، التي كنا نتفاوض فيها كانت من الوجهة العسكرية «دفاعية»، وليست «هجومية» كما شاء البعض أن يصفها، ولم يكن من شأنها دفع جيوش مصر إلى غير الأقطار المتاخمة، لا كما قيل وقتئذ من أن هذه الجيوش قد يطلب منها أن تدافع عن إنجلترا نفسها، أو عن مستعمراتها وتشتت في أقطار الأرض، وهي في حدود ميثاق الأمم المتحدة، ولم تتجاوز حدوده، ومدى الالتزام فيها مقصور على التعاون لدفع الاعتداء عن مصر، أو عن البلاد المتاخمة لها إذا اشتركت إنجلترا في حرب دفاعية عن هذه البلاد، وجلي أن المقصود بالبلاد المتاخمة لمصر في نص مشروع المعاهدة، إنما هي فلسطين وشرق الأردن وليبيا، ومركز إنجلترا في فلسطين، وشرق الأردن معروف باعتبار ما كان الأمر عليه في ذلك الحين، أما ليبيا فقد كانت على الاعتبار السابق في الوضع الدولي بمنجاة من الحروب العدوانية.

وهنا أقرر أن الإنجليز لم يتعرضوا لموضوع مدى التدخل العسكري لمصر، أثناء حرب تشهر على إنجلترا، كما هو الوضع في معاهدة سنة 1936، ولكن هيئة المفاوضة رأت بحق أن هذا الوضع يجعل من مصر منطقة نفوذ بريطاني، وينفي فيما بين الدولتين فكرة التكافؤ والتعادل، الأمر الذي يقدح في استقلال البلاد، ويظهرها في مظهر البلاد الواقعة تحت نفوذ الغير، فتمسكت بأن تكون لمعاونة مصر دائرة تنتهي في حدود الأقطار المتاخمة، مما يتفق مع قدرتها الحالية كدولة مستقلة، فضلا عن أن مصر يسرها، ولا شك، أن يتاح لها الدفاع عن أقطار شقيقة داخلة في الوحدة العربية، ومن المفاوضين الفضلاء من ذهب إلى إشراك البلاد العربية جميعا في نطاق هذا الدفاع.

على أن هدفنا على الدوام من محالفة بريطانيا هو أن تكون محالفة الند للند، والعمل لهذه المحالفة إنما هو أساس السياسة المصرية، منذ كانت المفاوضات مع بريطانيا في أعقاب حرب سنة 1914، وقد استمر كذلك حتى أخذت به الهيئة السياسية في مداولاتها، وأخذ به وفد المفاوضات الرسمي ... ولعلكم تذكرون أن مجلس الشيوخ تناول هذه المسألة بجلسة 27 مايو سنة 1946، وناقش الحكومة في اجتماع سري، فوضحت الحكومة سياستها، وهي عقد معاهدة ومحالفة مع بريطانيا على أساس الجلاء التام، على أن تعقبها مباشرة المفاوضة بشأن السودان، فأصدر المجلس القرار الآتي:

بعد سماع البيان الذي ألقاه دولة رئيس الحكومة، والمناقشات التي دارت حوله، يوافق المجلس على تقرير لجنة الخارجية بما تضمنه من تأييد المفاوضين المصريين، وتقرير سلامة موقفهم، والاطمئنان إلى ما قاموا به؛ لتحقيق إرادة الأمة وتمسكهم بالجلاء التام ووحدة وادي النيل.

تدخل أميركا في الخلاف

لما توقفت المفاوضات بين مصر وبريطانيا؛ بسبب مشروع المعاهدة الأولي الذي قدمه الوفد البريطاني إلى الوفد المصري في 19 مايو، وكان مشبعا بروح معاهدة سنة 1936 - كما بينا في الفصل السابق - طلب سعادة وزير أميركا في مصر مقابلة جلالة الملك، ولكن هذه المقابلة تعذرت في ذلك الوقت؛ بسبب غياب جلالته وعلمت من الوزير أنه يحمل رسالة من الرئيس ترومان عن طريق وزير الخارجية الأميركية؛ ليبلغها إلى جلالة الملك فاروق ... وقد بعث إلى سعادة الوزير الأميركي المفوض بهذه الرسالة؛ لأرفعها إلى جلالته ... وهذا هو نص تلك الرسالة التي أسمح لنفسي بالإفضاء بها، إذ قد سبق للجرائد أن خاضت في أمرها، ومن المصلحة للبلدين أن تعلم على حقيقتها:

Halaman tidak diketahui