وإن لنا حقوقا بمقتضى معاهدة سنة 1936 قد ننزل عنها إزاء التدبير الواسع المدى الذي وصفته آنفا، والذي يتعين أن تشتمل عليه المعاهدة الجديدة، فإذا كان لنا أن نعمل معا في نظام أوسع نطاقا للشرق الأوسط كان من الضروري أن يكون لنا مركز نستطيع به أن ننفذ هذا التدبير، وأن نحافظ عليه ... وهذا المركز يشترط فيه أن يكون في أكثر الأمكنة ملاءمة للقيام بالتزاماتنا المشتركة في شئون الدفاع.
ووزير الخارجية شديد الاهتمام بأن يسود منذ البداية جو من الود المكين، بين وفدين متساويين مهما تقم في سبيلهما من العقبات الوقتية، وإنه ليدرك أن أية صعوبة قد تنشأ في أثناء المحادثة بسبب طرف آخر، يحاول الاصطياد في الماء العكر، فإنها تستغل فورا؛ ولذلك فإن من مصلحتنا أن نتجنب بأي ثمن حدوث مثل ذلك في الوقت الحاضر ...
وهنا انتهت كلمات مستر بيفن، وقد أخبرته أني سررت لإثارته هذه النقطة؛ لأنه من جانب الحكومة المصرية قد فعلنا كل ما في وسعنا لخلق علاقة ودية، وتهيئة جو صالح مما أكد لي أهميته، بيد أني بعد أن قرأت في الصحف الإنجليزية التصريح، الذي يدعو إلى الذهول - ذلك التصريح المعزو إلى الحاكم العام للسودان - لا أستطيع أن أرى أن مثل هذه الملاحظات، التي أبداها أشخاص مسئولون أو نسبت إليهم، من شأنها خلق الأثر المطلوب الذي يرغب مستر بيفن في وجوده.
فرد مستر بيفن قائلا: إنه لم تصدر منه للحاكم العام تعليمات بأن يفضي بهذا التصريح، الذي لم يحط به علما، ثم استدعى فورا مستر «هاو» وكيل الخارجية المساعد، الذي أعرب بدوره عن جهله التام بهذا التصريح ... وطلب مستر بيفن من «هاو» أن يحقق في هذا الأمر، وأن يأمر كل من يعنيهم هذا الشأن أن يلتزموا الصمت، وإن كان هناك داع لأي تصريح، فإن مستر بيفن وحده هو الذي سيدلي به.
هذا هو نص رسالة عمرو باشا، وما تضمنته من آراء ورغبات لوزير الخارجية البريطانية؛ كي تسير المفاوضات في جو صالح للوصول إلى اتفاق مرض بين مصر وبريطانيا كأمتين متساويتين، لهما مصالح مشتركة.
أما تصريح حاكم السودان العام المشار إليه، فهو الذي أدلى به في 17 أبريل سنة 1946 عند افتتاح المجلس الاستشاري، ويتلخص في «أن الحكومة السودانية معنية بإقامة الحكم الذاتي في السودان بقصد الوصول إلى الاستقلال، وأنها ألفت لجنة من الموظفين البريطانيين والسودانيين لبحث مشروعات السودنة، وأن هذه الحكومة تهدف إلى سودان حر مستقل يستطيع أن يحدد بنفسه نوع علاقاته مع بريطانيا ومصر، وأنه واثق من أن فترة عشرين سنة تكفي السودانيين؛ للوصول إلى ذلك بمعاونة عدد من الخبراء من غير السودانيين.»
ذلك تصريح الحاكم العام ونحن على أبواب المفاوضات، وقد رددت عليه في حينه بأن الحكومة المصرية لا تتقيد به، وأنه لا يعبر عن رأي مصر في مسألة السودان، وقد نفاه مستر بيفن كما رأيت في رسالة عمرو باشا، وأكد أنه يجهله ولا يعبر عن رأيه.
على أن هذا التصريح إن هو إلا المعبر الصادق عن حقيقة السياسة، التي كان حكام السودان من البريطانيين يعملون على اتباعها؛ أي سياسة الفصل بين البلدين، وقد ظهرت آثارها في شتى المناسبات، وأخيرا عند ظهور نتائج مفاوضات «صدقي - بيفن»، إذ طالبوا بحق السودان في الاستقلال عن مصر، مما كان محل الأخذ والرد الذي انتهى بضياع آثار الاتفاق.
المفاوضات الرسمية
اتفق الوفدان المصري والبريطاني على أن تفتتح المفاوضات الرسمية في الساعة الثانية عشرة ظهر يوم الخميس 9 مايو سنة 1946، وكنت مع اللورد ستانسجيت والسفير البريطاني قد قطعنا شوطا كبيرا في المحادثات التمهيدية، التي أشار بها مستر بيفن لذليل بعض الصعوبات. وقد كان للبيان الذي أعلنه الوفد البريطاني قبل المفاوضات عن الجلاء التام - ونشر في الفصل الماضي «بالمصور» - أبلغ الأثر في تهيئة جو صالح، وافتتاح سعيد.
Halaman tidak diketahui