وإني أرى - ولو أن مصر تتمتع في هذه الجامعة بنفوذ خاص ، ومركز أدبي ممتاز - أن يتعين عليها أن تعمل مستقلة عن غيرها من هذه الدول الصديقة؛ لتسوية علاقاتها مع بريطانيا العظمى، وذلك لاعتبارات لا محل للتحدث عنها الآن ... وأن العلاقات بين بريطانيا العظمى ومصر إذا استقرت على قواعد سليمة ومرضية، فإن نفوذ مصر في الشرق الأوسط سيعمل في هذه الحالة بكيفية من شأنها أن تجلب لبريطانيا، بل للدول العربية نفسها كثيرا من المنافع والمزايا.
هذا وقد أعربت في هذه المذكرة عن أن الجانب المصري يرى أن تكون العلاقات بين مصر وبريطانيا في حالة، تسمح بتحقيق تحالف بين البلدين يكون مشبعا بروح الصداقة المتبادلة، وأنه لا يمكن تحقيق هذا التحالف إلا بعقد معاهدة جديدة على نمط المعاهدات، التي أبرمت منذ سنة 1941 بين دول مختلفة، وأن تشمل هذه المعاهدة التزاما من الطرفين بأن يقدم كل منهما للآخر في حالة نشوب حرب لم يثرها أحدهما كل تعضيد حربي وغيره، وذلك إلى أن تنشأ الوسائل التي يقررها مجلس الأمن من أجل المحافظة على السلام.
ورأيت أن تتفق السلطات العسكرية في كلا البلدين على كيفية تبادل هذا التعضيد، وتلك المساعدة، وعلى ذلك يجب أن تهيأ في أوقات السلم وسيلة لتحقيق التعاون بين هيئتي أركان حرب الدولتين، وأن مصر لم تغفل عما لبريطانيا من خبرة في هذا الشأن، وما لها من وسائل لتنفيذه، ولكن يجب أن يكون مفهوما أن هذا الاستعداد لن يؤدي بأية حال إلى مرابطة قوات أجنبية في الأراضي المصرية في أوقات السلم، بل بالعكس «يجب أن يشمل الاتفاق الجديد نصا يتضمن انتهاء الموقف الحالي، وذلك بجلاء القوات البريطانية جلاء تاما عن مصر.»
هذه هي خلاصة المذكرة التي قدمتها إلى السفير البريطاني ردا على اقتراحات الحكومة البريطانية قبل البدء في المفاوضات، وقد فهم السفير أن لا أمل في اتفاق مع مصر إذا لم يكن أساسه الجلاء التام برا وبحرا وجوا، في غير احتفاظ على أرض مصر بأية قوة بريطانية مدنية كانت أم عسكرية ...
أولى مقابلاتي للورد ستانسجيت
18 أبريل سنة 1946
تحدثت في المقال الماضي عن تأليف الوفد البريطاني ، وكيف نقل لي سعادة السفير نبأ تأليفه على أثر اعتراضي على تأخيره نحو ثلاثة أسابيع عن تأليف وفد المفاوضة المصري ... وفي 15 أبريل حضر الوفد البريطاني بالطائرة، وقد تخلف رئيسه مستر بيفن وزير الخارجية البريطانية لمشاغله الدولية الأخرى، وأناب عنه اللورد ستانسجيت.
وبعد يومين من حضور هذا الوفد زارني بمنزلي بالزيتون اللورد ستانسجيت والسير رونالد كامبل، فقلت لهما: «أحييكما في بلد صديق، ومنزل صديق»، فشكرا هذه العبارة.
ثم قلت للورد: «أسمع عنك منذ سنة 1919 بعد الحرب الماضية، حينما كنت وسعد زغلول وباقي أعضاء الوفد المصري بباريس نسعى للاستقلال، وربما يدهشك أننا إذ ذاك وضعنا بعض آمالنا فيك إذ كنت تخطب في مجلس العموم مدافعا عن مصر، وعن مبادئ الحرية»، فقال: «نعم حصل أن كنت مدافعا عن حق الشعوب، وكنت قد زرت مصر إذ ذاك محاربا.»
فقلت له: «إذن، فأنت تفهم كيف كنا نعلق بك الآمال، والآن لست مناط آمال فحسب، بل أنت مناط حقائق بتوليك المفاوضة.»
Halaman tidak diketahui