109

Catatan Saya

مذكراتي

Genre-genre

ويجدر بي قبل الانتقال إلى مجريات المفاوضة أن أنوه هنا بالروح العالية التي كان المستر بيفن، ذلك الرجل العصامي القدير، حريصا على أن تكون السائدة في المناقشة، وقد حرص جنابه على إثارة الشعور - بل العقيدة - لدينا بأننا وإياه أنداد متساوون ، على الرغم من أننا كنا طلاب حق لا سبيل لنا إلى انتزاعه بغير طريق الإقناع، ومن أيد طالما أحسسنا بشدة بأسها وبقوة وسائلها!

وإنه ليؤسفني أن كانت مفاوضاتنا مع الوزير البريطاني ومع أعوانه، ومنهم لورد ستانسجيت وسير رونالد كامبل قد أدت إذ ذاك إلى إقلاق كبير في راحتهم؛ لأن حالتي الصحية منذ اليوم التالي لوصولي لإنجلترا أدت إلى تجشم الجميع الكثير من التعب في مداومة الانتقال من «هوايت هول» إلى محل الضيافة، وقد تركت في نفسي مجاملتهم الكريمة لممثل مصر؛ الكثير من الأثر.

ولا بد لي أيضا من التنويه بمظاهر الإكرام، التي قابلنا بها مستر آتلي رئيس وزارة إنجلترا في مقر رئاسة الحكومة بداوننج ستريت، وهي مظاهر زاد في روعتها أن كان الاستقبال في ذلك المكان التاريخي المشهور، الذي شهد أهم أحداث إنجلترا السياسية ... وزاد في معانيها حرص رئيس الحكومة على دعوة أكبر رجالات الدولة البريطانية إلى مائدة الغداء ليشاركوه في تكريم ممثلي مصر.

ولا يسعني قبل الانتقال إلى موضوع المفاوضة وإلى نتائجها الطيبة، إلا الإشادة بصفات عمرو باشا، كرجل وكسفير ... وقد بدا لي سعادته كعنوان حي للهمة ولحسن التصرف، كما قدم من الخدمات لقضية مصر ما يستحق معه كل ثناء وكل تقدير.

وإذا نسيت فهل أنسى أن زميلي إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس حكومتنا الحالي، أثبت في مناسبة المفاوضات التي جرت بلندن أن رجل الثورة يستطيع متى آن أوان جني ثمراتها أن يكون السياسي الحازم الدقيق، وأن يفسح أمام ناظريه الأفق، فلا يستوقفه التافه من الأمر ويعطل جهوده، ولا يلهيه الخيال الكاذب عن الواقع المحسوس.

المسائل الكبرى في المفاوضات

في فصل سابق أشرت إلى أحاديثي مع المستر بوكر نائب السفير البريطاني، التي انتهت إلى اعتزامي السفر إلى إنجلترا، بعد أن أخبرني جنابه رسميا بما يفيد ارتياح المستر بيفن إلى لقائي ... ويجدر بي هنا وأنا أتحدث عن المباحثات، التي جرت بلندن أن أشير إلى الفوارق الكبيرة بين مفاوضة ومفاوضة ... فبينما كنا بمصر، وجو التحفظ والحذر يحيط بنا من كل جانب ، وبينما كانت كل صغيرة وكبيرة من الشئون، التي كنا نعالجها في المفاوضة مدعاة لأخذ ورد طويلين بين القاهرة ولندن إلى درجة إثارة القلق والسأم - بل التشاؤم من ناحية مصير المفاوضات - جئنا إلى لندن، وإذا الجو الذي صادفنا يتحول إلى الصفاء بعد التلبد، وإذا الصراحة تحل حيث كانت الريب والوساوس.

ولا غرو، فإن مستر بيفن من الطراز الجديد للسياسيين، الذين لا يضيعون الوقت في اللف والمداورة، ويهجمون على الموضوع مزودين بالحجة إذا ما أسعفتهم الحجة، فإذا شعروا بضعف موقفهم انتقلوا إلى موضوع آخر ريثما يعاودون البحث والتفكير في الموضوع الأول، أو يسلمون بوجهة نظر الطرف الآخر في غير تردد طويل أو «مناكفة» ... وكنت أشعر برغبة الوزير في الانتهاء السريع؛ لا لأن السرعة في ديدنه؛ بل لأن تزاحم القضايا العالمية كان يقتضي ذلك ... أضف إلى ما تقدم أن الرجل كان مرتبطا بموعد يحل بعد أيام قلائل في واشنجتون للمباحثة في بعض الشئون الهامة، التي رأى أن يعالجها بنفسه مع الساسة الأميركيين.

وقد وضحت نزعة مستر بيفن، إذ قال في أول جلسة لنا معه - بعد عبارات الترحيب والاستفسار عن الكيفية التي نرى أن تدار بها المناقشات - إنه يعمل دائما وفقا لنظريته المعروفة، وهي «وضع أوراق اللعب مكشوفة على المائدة، فإن ذلك أسهل وأدنى إلى تحقيق الأغراض.»

وفي الواقع أن محادثات لندن لم تدم طويلا، فهي لم تستغرق أكثر من ثمانية أيام، عقدنا فيها خمس جلسات، يضاف إليها بضع جلسات عقدها الخبراء أو هيئة التحرير، وحضرها من الجانب المصري إبراهيم عبد الهادي باشا، وعمرو باشا، وحسن سعيد بك مستشار السفارة، والأستاذ حنا سابا سكرتير هيئة المفاوضة، ويدعوني واجب الإنصاف أن أنوه بالروح الطيبة، التي سادت جميع المناقشات سواء السياسية أو الفنية، وأن أشير إلى المساعدات القيمة التي قدمها وكيل الخارجية «مستر هاو» الذي كان يبدو أنه المعاون الأول لمستر بيفن في شئون هذه المفاوضات ... و«مستر هاو» هذا هو الذي أصبح بعد ذلك «سير روبرت هاو» حاكم عام السودان.

Halaman tidak diketahui