Memoir Seorang Gadis Bernama Suad
مذكرات طفلة اسمها سعاد
Genre-genre
لكن يد أمها تشدها من الخلف وصوتها الحاد يصرخ في أذنيها: لا تأكل الطين وإلا وجعتك بطنك ... وتبكي وترفس، وتأتي جدتها تربت على ظهرها بيدها السمراء المعروفة، وتقرب وجهها بين وجهها لتقبلها فتشم رائحة الفطير واللبن والتراب، وترى فمها بغير أسنان وعينيها بغير رموش، وبشرتها سمراء مليئة بالتجاعيد، وليس لها شعر فوق رأسها وإنما طرحة سوداء من تحتها منديل رأس أسود، وليس لها صدر مثل أمها، وجلبابها الأسود الواسع يتهدل طويلا حتى الأرض، وتشد الطرحة من فوق رأسها لترى هل لها شعر ، ويظهر شعرها الأحمر الخفيف بجذوره البيضاء، لكنها تشد الطرحة فوق رأسها وتغطيها، وتسألها: أين ذهبت أسنانك يا جدتي وأين صدرك؟ وتضحك جدتها حتى تدمع عيناها وتمسحها في طرف طرحتها، ثم تقول لها: الغولة أكلتهم يا حبيبتي، ويلتف أولاد عمتها خديجة حولها قائلين: احكي لنا قصة الغولة يا ستنا الحاجة.
لم تكن حتى ذلك الوقت تخاف من جدتها، لكنها أصبحت تخاف من فمها الواسع بغير أسنان حين تحكي عن الغولة، ووجهها الأسمر المجعد يزداد سمرة في الليل ويصبح أسود كالظلام، وفي منتصف الليل حين تصحو فجأة لتبول ترتعد وتظل راقدة مكانها، يخيل إليها أن الغولة ستنقض عليها بمجرد أن تخرج جسدها من تحت الغطاء، وتشد الغطاء فوق رأسها حتى لا تراها الغولة، وتغمض عينيها وتنام، ويضغط البول على جدرا بطنها وهي نائمة، فتحلم أنها جرت إلى دورة المياه، وفي الصباح تجد ملابسها مبتلة والحصيرة من تحتها مبتلة، فتتسلل من تحت الغطاء على أطراف أصابعها إلى فناء الدار الواسع الذي تغرقه الشمس وتقف تحت الشمس لتجف، لكن ما أن تسمع نهيق الحمار وصوت زوج عمتها وهو يقود الحمار خارج الزريبة حتى تجري إليه، وتتعلق بالحمار لتركبه وتذهب إلى الحقل.
في الحقل تجري بين أعواد الذرة وشجر البرتقال، تشد الفأس من يد ابن عمتها زكي وتضرب به الأرض كما يفعل عمها عبد الله، تجري وراء زكي وتمسكه من جلبابه الذي يشبه جلباب البنات، يجمع زكي بعض أعواد الذرة الجافة ويشعل فيها النار، ويشويان أكواز الذرة ويأكلان، لكنهما سرعان ما يسمعان أزيز الساقية، فيجريان إليها ويركبان على أحد تروسها، ويدوران معها وهما يصرخان.
صرختها كانت تنم عن اللذة، ذلك الإحساس الذي عرفته حين كانت تحرك قدميها الحافيتين فوق الأرض الدافئة المشبعة بالشمس، والهواء النقي المنعش يدخل صدرها، وحركة جسمها لا يعوقها شيء، وحركتها جزء من حركة الكون، كأنها تسبح أو تطير في ذلك الفضاء اللانهائي.
وتعود فوق ظهر الحمارة إلى الدار، والدار تفوح منه رائحة الخبيز والفطير المشلتت، وتجري لتجلس إلى الطبلية بجوار أولاد عمتها، وتأكل معهم من صحن واحد، لكن أمها تشدها من يدها، وتأخذها إلى فناء الدار حيث الزير الكبير المملوء بالماء، تفرغ لها الماء من الكوز لتغسل يديها، ثم تجلسها إلى طبلية أخرى خاصة بهم، فتجلس إلى جوار أختها وأخيها ويأكل كلا منهم في صحنه.
وترمق أولاد عمتها وهم يأكلون من بعيد، وتتبادل النظرات هي وزكي ويبتسمان عبر المسافة التي تفصل بينهما، وتسأل أمها: لماذا لا تأكل مع أولاد عمتها؟ وتهمس لها أمها في أذنها قائلة إنهم فلاحون، يأكلون بأيديهم القذرة من صحن واحد.
لكنها كانت تريد أن تأكل مع زكي أكثر مما تريد أن تأكل مع أختها وأخيها، وتحب أن تلعب مع زكي أكثر مما تلعب معهما، زكي يعرف أشياء كثيرة، ويركب الحمار وحده، ويعرف الطريق إلى الحقل وحده، وله أصدقاء كثيرون من أولاد الجيران يلعبون معا في الشارع أو يمشون على جسر النيل حتى تغرب الشمس وتظلم الدنيا، فيجلسون في ضوء القمر أمام الدار، يحكون الحكايات التي لم تسمعها من قبل، حكايات عن العفريت الذي يظهر بالليل على شكل مارد طويل له عينان حمراوان، أو على شكل قط أسود ضخم يموء، أو ذئب يعوي بصوت غريب، أو على شكل سمكة كبيرة لها رأس امرأة ويسمونها «الجنية»، وهي تخرج من قلب النيل وتتمشى على الجسر بالليل، وإذا وجدت أحدا خطفته وأخذته معها إلى قاع النيل، وتلهث أنفاس سعاد وهي تستمع إلى هذه الحكايات، وتمتلئ الظلمة من حولها بالأشباح، فتقترب من زكي وهو جالس على الأرض وتلتصق به متكورة حول نفسها مخبئة ذراعيها وساقيها تحت جسدها خشية أن يشدها العفريت بعيدا.
وتأتي عمتها خديجة، وحين تراها جالسة على الأرض مع الأولاد تقول لها: لو رأيت أمك وأنت جالسة على الأرض هكذا فسوف تضربك، وتحسد زكي لأن أمه لا تضربه إذا جلس على الأرض، وتقول لها: ولماذا لا تضربين زكي فهو جالس على الأرض مثلي؟ وتضحك عمتها خديجة وتخفي فمها بطرف طرحتها السوداء وتقول: زكي فلاح، ابن عمك عبد الله الفلاح وعمتك الفلاحة، لكن أنت بندرية، وأمك بندرية، وأبوك موظف كبير قد الدنيا.
لم تكن تعرف بعد ماذا تعني كلمة فلاح أو بندري أو موظف، لكنها كانت تظن أن عمتها خديجة تحبها أكثر مما تحب ابنها زكي، أو أي أحد من أولادها، لكنها تحب أخاها أكثر مما تحبها، وتعطيه الحمارة ليركبها ولا تعطيها لها، وتقول لها: الولد يركب والبنت تمشي؛ لأن البنت في رجليها حديد.
وتنظر إلى قدميها وساقيها كأنما تبحث عن الحديد، فتضحك عمتها وهي تحجب فمها بطرحتها وتقول: أقصد يا حبيبتي أن البنت تتحمل عن الولد، وتسألها: يعني البنت أقوى من الولد يا عمتي؟ وترد عمتها: البنت لها سبع أرواح مثل القطط، لكن الولد له روح واحدة فقط.
Halaman tidak diketahui