دق جرس التليفون، هبط بي رنينه العالي من السماء إلى الأرض؛ فوقفت على قدمي وسرت إليه ورفعت المسماع: ألو.
وجاءني صوت ملهوف يقول: أنقذيه من الموت يا دكتورة، إنه يموت ...
أمسكت المسماع في يدي ونظرت إليه، وقال على الفور: مريض؟ - نعم. - ستذهبين؟ - فورا. - هل آتي معك؟ - إذا شئت.
ركبت إلى جواره في عربته وانطلق بسرعة مذهلة. وصلنا بيت المريض، ولم يكن بيتا، وإنما كان حجرة ضيقة رطبة في بدروم مظلم أسفل إحدى العمارات الكبيرة، ورأيت شابا نحيلا يرقد على مرتبة قذرة على البلاط وإلى جواره بركة صغيرة من الدماء. وضعت السماعة على صدره وعرفت أنه مريض بالدرن الرئوي، وأن حياته تتوقف على زجاجة دم. وتلفت حولي ورأيته إلى جواري وقال على الفور: هل تريدين شيئا؟ - زجاجة دم الآن من مركز الإسعاف.
وجرى إلى الباب وهو يقول: سأذهب بالعربة وأحضرها حالا.
وجلست على صندوق خشبي إلى جوار المريض وحقنته ببعض الدواء، وأعددت أدوات نقل الدم، وكشفت عن فصيلة دمه.
ثم رأيته يدخل مندفعا وفي يده زجاجة دم، ونهضت مسرعة، وأمسك ذراع المريض، وظل إلى جواري يساعدني حتى أدخلت الإبرة في الوريد وثبتها.
ونظرت إليه؛ رأيت العرق يتصبب من وجهه، ورأيت رأسه قريبا من رأس المريض.
وهمست في أذنه: ابتعد أرجوك. - لماذا؟ - قد تنتقل العدوى إليك. - وأنت؟ - هذا واجبي، علي أن أقوم به تحت أسوأ الظروف.
ونظر إلي في صمت، ولم يتحرك من مكانه حتى انتهيت من تركيب جهاز نقل الدم.
Halaman tidak diketahui