اسمي الذي تفتحت أذني على سماعه، وارتبط في عقلي الواعي والباطن بوجودي وكياني، أصبح ملغيا، ووضع اسمه على غلافي.
وجلست إلى جواره، أسمع الناس وهم ينادونني باسمي الجديد، فأنظر إليهم وإلى نفسي في دهشة شديدة كأنهم لا ينادون علي أنا، كأنني مت، وتقمصت روحي امرأة أخرى تشبهني وتحمل اسما غريبا.
عالمي الخاص؛ حجرة نومي لم تعد حجرتي وحدي، وسريري الذي لم يكن يشاركني فيه أحد، أصبح هو يشاركني فيه، كلما تقلبت أو تحركت ارتطمت يدي برأسه الخشن أو بذراعه أو ساقه اللزجة، وصوت أنفاسه إلى جواري يملأ الجو من حولي بالعويل. لا شيء يربطني بهذا الرجل وهو مغمض العينين، لا شيء أراه فيه إلا جثة هامدة كتلك الجثث التي رأيتها في المشرحة.
ولكن إذا ما فتح عينيه ونظر إلي بنظرته الضعيفة المستجدية التي تثير أمومتي وتخمد أنوثتي، أشعر أنه طفل صغير ولدته من صلب كياني في مكان وفي زمان لا أدري عنهما شيئا. ••• - أنا الرجل. - ما معنى أنك الرجل؟ - أنني صاحب السلطة. - أي سلطة؟ - سلطة هذا البيت بكل ما فيه حتى أنت.
بوادر التمرد تظهر عليه، شعوره بالضعف أمامي انقلب في أعماقه إلى رغبة في السيطرة علي. - لا أريد أن تخرجي كل يوم. - أنا أخرج للعبث؟! أنا أعمل. - لا أريد أن تكشفي على أجساد الرجال وتعريهم.
نقطة الضعف التي يرتكز عليها الرجل في محاولته السيطرة على المرأة؛ حمايتها من الرجال، غيرة الذكر على أنثاه. يدعي أنه يخاف عليها وهو يخاف على نفسه.
يدعي أنه يحميها ليستحوذ عليها ويغلق عليها أربعة جدران. - لسنا بحاجة إلى إيراد العيادة. - أنا لا أعمل من أجل المال. أنا أحب عملي. - يجب أن تتفرغي لزوجك وبيتك. - ماذا تعني؟ - أغلقي العيادة.
ظن أن عملي هو الذي يمنحني القوة التي تحول بينه وبين السيطرة علي، ظن أن تلك الجنيهات القليلة أو الكثيرة التي أكسبها كل شهر هي التي تجعلني شامخة، لم يعرف أن قوتي ليست لأني أعمل، وأن شموخي ليس لأن لي إيرادا خاصا، ولكن لأني لا أشعر نحوه باحتياج نفسي كذلك الذي يشعر به نحوي، لأنني لم أشعر باحتياج لأمي أو أبي أو أي أحد، لأنني لا أنتمي إلى أحد، وهو كان ينتمي إلى أمه ثم أصبح ينتمي إلي.
ولكنه يرى نفسه رجلا، فيه ملامح الرجل؛ صوته غليظ، وشاربه كثيف، الرجال يعملون حسابه، والنساء يختلسن النظر إلى شاربه، والعيال في الشوارع والحواري لا يستطيعون التعليق عليه بالألفاظ النابية أو قذفه بالحجارة. ••• - أغلقي العيادة. - والمرضى؟ والإنسانية التي ستظلم؟ - هناك أطباء غيرك. - ومستقبلي في الطب؟ وعلمي الذي دفعت فيه نصف حياتي؟ - حياتك هي أنا. - والكلام الذي قلته لي؟ - لم أكن أعرف.
فتحت عيني ونظرت إليه؛ عيناه باهتتان ضحلتان، وكفه قاسية غليظة، أغلظ مما كنت أتصور، وأصابعه غبية قصيرة، أقصر مما كنت أتخيل. من هذا الرجل الغريب الذي إلى جواري؟
Halaman tidak diketahui